عمر إبراهيم الرشيد
ما بين جنين قد خرج لتوه من بطن أمه، وشيخ قد جهز مدافن أولاده ففوجئ بهم يخرجون إليه أحياء، وما بين صبية تخرج لتخبر بأن أسرتها كلها قد ماتت، وامرأة ظلت تحت الأنقاض أياماً عدة ليتم إنقاذها، وأطفال رضع تحرسهم عناية الرحمن لتنتشلهم أيادي المنقذين من تحت الأنقاض، ما بين هؤلاء وغيرهم من آيات الله وقدرته جل وعلا، مابرح زلزال تركيا وسوريا يزلزل القلوب والعقول مما يحمل معه من آيات وعبر تتجلى فيها قدرة خالق الأكوان سبحانه وتعالى.
هناك أخبار تواردت من تركيا وهي منشأ الزلزال بأن الحكومة التركية استدعت مقاولين للمنشآت المتهدمة، لمساءلتهم عن جودة تلك المباني وهي بالمئات إن لم تكن بالآلاف، وعما ان كانت تلك المباني قد بنيت لمقاومة الحد الأدنى من قوة الزلازل فتقل الأضرار والإصابات والوفيات. وعلى افتراض أن هذا الاستدعاء وحتى لو كان لامتصاص الانتقادات، فانه يدل على تأثير الزلزال الذي مازالت هزاته الارتدادية تتوالى، على الحكومة التركية وجعلها تراجع كثيراً من أنظمتها في البناء وغيره، حتى أنها قررت فتح السد الذي يحبس المياه عن العراق لسنوات خوافاً من تصدعه بفعل الزلزال. اذاً هذا الزلزال هو الأقوى منذ 1939م ومازال الأتراك والسوريون ينتشلون من هم تحت الأنقاض، لكنه كذلك قدم ومازال يقدم العبر والدروس لأولي الألباب. ومن أجمل ما رأينا قوافل وأسراب الطائرات السعودية وهي تترى على تركيا والشمال السوري، لتمد يد العون فتضمد الجروح وتغيث الملهوفين وتجعلنا نفخر بهذا الوطن المعطاء. وتبين هذه الكارثة بأن الدول والشعوب يفترض أنه مهما باعدت بينها السياسة أو الجغرافيا فإنها تقربها الأزمات والكوارث، إنما ليست كل الدول أو الشعوب تمتلك هذه النظرة أو القدرة والمملكة قيادة وشعباً ولله الحمد شرفها الله بهذه الروح. كذلك ما لفت انتباهي حقيقة منصة (ساهم) وسلاسة وسهولة التبرع للمتضررين في هذين البلدين من آثار هذا الزلزال وكذلك في الدول المنكوبة بالأزمات والمجاعات، بل وأجمل ما في هذه المنصة أنها تعطي الفرصة حتى لمحدود الدخل شرف إغاثة إخواننا هناك، إذ يمكن المساهمة بدءا بخمسة ريالات، وهو مبلغ يسهم في وصول رغيف الخبز على أقل تقدير إلى أسرة هناك، فقط من خلال الهاتف وتطبيق يحمل اسم (ساهم) وبلمسة على شاشة الهاتف الذكي تغيث ملهوفاً أو مريضا أو عاريا أو جائعاً، فلله الحمد والمنة على نعمة البذل والعطاء مما يدفع البلاء عنا وعنهم بإذن العزيز الكريم.
الكوارث ومنها الزلازل ظاهرها التدمير، لكنها تحمل بقدرة الله التغيير والدروس والأمل كذلك ببناء أمتن حسياً ومعنوياً، إلى اللقاء.