عبد الله سليمان الطليان
يتناثر البشر على وجه الأرض في أشكال وألوان وأعراق مختلفة، في صورة الإنسان الواضحة التي أمامك التي لا تجد فيها تطابقاً أو تشابهاً إلا ما ندر، هذا التكوين غير المتشابه يدل على عظمة الخالق، الذي كرم هذا الإنسان عن سائر بقية الخلق، يقول الله تعالى: {لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ} (أي يمشي قائماً منتصباً على رجليه ويأكل بيديه وغيره من الحيوانات يمشي على أربع ويأكل بفمه وجعل له سمعاً وبصراً وفؤاداً يفقه بذلك كله وينتفع به ويفرق بين الأشياء ويعرف منافعها وخواصها ومضارها في الأمور الدنيوية والدينية.
تغمرك الحيرة، ويتوه عقلك وأنت تبحث أحياناً في لهاث لكي تروي معرفتك الشرهة بشكل كامل عن الصفات العقلية لدى الإنسان، ولكن مع الوقت يتسرب إلى نفسك العجز، عندما تتعمق أكثر فأكثر، وتعي أنك أمام حشد هائل متباين ومختلف حتى في الصفات العقلية التي هي مطمورة مختفية في الداخل من الصعب معرفة مستواها في الأثر على الإنسان، والتي تطفو في المواقف القولية والفعلية التي تتم بين البشر بشكل دائم ومستمر، تحاول مع الجهد والمثابرة أن تصطاد وتسيطر على واحدة منها، ولكن مع تراكم تلك الصفات وزيادة تفاعلها وعصفها، فإن الهزيمة تقترب بعدما يتشتت الذهن ويعلن الفشل لعدم المقدرة في الوصول إلى الحقيقة التي تبقى في أنك لا تسطيع لأن قدراتك محدودة، ترى الصراع محتدماً بشكل يومي بين البشر في علاقاتهم لا ينقطع يحدث بين أفراد وجماعات، يثور في درجات مختلفة، وبحسب الموقف بين الشدة والضعف وإن كان الأغلب هو حول المال، متفاوت في الأثر، يصل أحياناً إلى الهلاك عندما يتعاظم وترتفع وتيرته، ويتساوى البشر عندها مع الحيوانات المفترسة المنزوعة العقل.
في واقع حياتنا دائماً ما نضرب أمثالاً على أناس امتازوا بالاتصاف برجاحة العقل في التعامل مع واقع حياتهم تكاد سيرتهم لا تغيب عنا ونجعلهم أحياناً قدوة، ولكن لماذا اتصفوا بهذا؟ هل هو فطرة أو وراثة واكتساب؟ يمكن أن نقول إن كل هذه مجتمعة لها دور كبير في الرقي العقلي، أولاً أنه لا يوجد شك في أن الله يمنح هذا لبعض البشر، بعد هذا يأتي دور الوراثة والاكتساب التي أيضاً لهما دورٌ كبيرٌ في ذلك، وهذا يعتمد على أن الإنسان الذي يعيش في محيط أو بيئة كان فيها من اتصف برجاحة العقل والاتزان في الرأي، ونعود ونقول إن هذا يبقى أولاً وأخيراً هبة ونعمة من الله.