خالد بن حمد المالك
اعتقد نظام الملالي في إيران أن انشغال وسائل الإعلام بالزلزال الذي ضرب تركيا وسوريا, وأسفر عن عشرات الآلاف من القتلى, والمصابين, وتدمير آلاف المباني في الدولتين, اعتقد النظام أنه سوف يلتقط أنفاسه للقضاء على مظاهر سقوطه، وإنهاء الاحتجاجات والمظاهرات التي تطالب بالتغيير الواسع، وإصلاح ما أفسده هذا النظام البائس.
* *
كانت فرحة النظام الإيراني كبيرة بكارثة الزلزال المدمر، لأن هذا الحدث المأساوي سوف يحجب - بنظره القاصر - الحقيقة ولو لبعض الوقت عن الثورة العارمة التي تجري في كل المدن الإيرانية، وتشارك فيها جموع كبيرة من المواطنين الإيرانيين، دون خوف أو وجل، رغم عنف المؤسسة الأمنية في التعامل مع المتظاهرين.
* *
لقد خاب ظنهم، فلم يكن الإعلام هو المحرض لإشعال هذه الثورة، ولم يكن طرفاً مؤثراً فيها, وإنما كان الظلم, والقهر, والحكم بالحديد والنار, هي المحفز لهذه الاحتجاجات الواسعة والمتواصلة، ما لم تعهده ميادين وشوارع ومؤسسات الدولة والمدارس والجامعات، حيث شلّت هذه الظاهرة الثورية أركان النظام، وأبانت عجزه عن منعها رغم مرور شهور منذ انطلاقتها.
* *
لقد تعامل أعداء الشعب، - ونعني بهم القائمين قهراً على حكم البلاد - تعاملاً قاسياً مع المحتجين بين قتيل وجريح، أو زجهم بالسجون في أجواء مشحونة بالتعذيب، والممارسات غير الإنسانية، دون أن يَفُتَّ ذلك من عزائم المحتجين، أو يجعلهم في وضع من يفكر في التنازل عن مطالبه في الحرية وتقرير المصير.
* *
إن استمرار الوضع في إيران على ما هو عليه لم يعد مقبولاً لدى أكثرية المواطنين، فقد عانى الشعب من العزلة، وَتَفاقَم تدهور المعيشة، وانهيار الاقتصاد، وانشغلت أجهزة الدولة بالتآمر على الجيران، ودعم الإرهاب، وتحمل العقوبات الدولية، وتوظيف المال الإيراني ضد مصالح واحتياجات المواطنين، ما جعل النظام في حالة ذعر وخوف وانتظار ما هو أسوأ بفعل هذه الاحتجاجات المتواصلة.
* *
إن إيران لم تعد دولة محترمة بسبب سلوك النظام، ولم تعد دولة بسبب تبنيها للإرهاب، وهي دولة مارقة نسبة لأعمالها العدوانية، وعدم التزامها بالقوانين الدولية، وبالتأكيد فإنه لا خير في النظام الإيراني القائم ليصلح ما أفسده منذ عام 1979م وحتى اليوم، وبالتالي فلا بديل ولا خيار آخر غير إسقاط نظام الملالي، وإعادة حكم الشعب للشعب.
* *
سيواصل النظام جرائمه ضد المحتجين، وسيستخدم القوة المفرطة بما فيها القتل والتعذيب ضد أي معارضة، وسيدّعي أن وراء هذه المظاهرات قوى أجنبية، لكن كل هذا لن يغيّر من مسار هذه المظاهرات في التوجه نحو أن تكون إدارة البلاد بنظام جديد يراعي مصالح الشعب، ويكف أذاه عن جيرانه، ويتعاون مع دول العالم بما يحقق مصالح الشعب، بعيداً عن ادعاء القوة والقدرة الكاذبة على الصمود.
* *
وعلى إيران اقتباساً من هذه المظاهرات, أن تكف عن تزويد الميليشيات في لبنان, واليمن, والعراق, وسوريا, وغيرها بالأسلحة المدمرة، وأن توجه قِيمتَها لدعم الشعب الإيراني بتيسير لقمة العيش، وأن توفر مبالغ دعم الإرهاب لتحسين الحالة الاقتصادية في البلاد، وأن تتجنب العزلة والعقوبات من خلال تخليها عن برنامجها النووي، وهذه كلها لا يقوى على القيام بها إلا نظام بديل، نظام صالح، نظام يراعي مصلحة الشعب.
* *
والوقت يسير لصالح المحتجين في إسقاط نظام العمائم، وكل من يراهن على غير ذلك فهو واهم، وكل من يعتقد أن هذه الثورة سوف تفشل فإنه لم يقرأ التاريخ، فالمظاهرات في إيران بدأت صغيرة ومحدودة، وتطورت لتصل إلى الجامعات, والمدارس, والشوارع والميادين، بل وإلى عمق مؤسسات الدولة.