إن الكمال في كل شيء مستحيل..
فمن طبيعة الحياة أن تكون ناقصة..
لكي تسعى في سبيل سد هذا النقص فلا تقف..
علي الوردي
عندما تسمع أو تقرأ اسم «الوردة» أو اللون «الوردي» يتسلّل إلى نفسك إحساس التفاؤل، والأمل بالمستقبل، والرضا عن الحاضر، والتغني بالماضي. هذه المشاعر تختفي عندما تقرأ اسم «علي» مضافاً إلى «الوردي»، فهذا الكاتب المليء بالتناقض المفعم بالتشاؤم، يناقض كثيراً من المفاهيم في الحياة، ويجعلك تعيد حساباتك فيما كنت مقتنعاً به مسبقاً. لديه قدرة على طرح الأفكار والإقناع بها على الرغم من تناقضها، فلا تدري أهي متعة عنده في التحليل والتلاعب بالألفاظ ليتلاعب بالعقول؟ أم أنه يتجلّى في كل فكرة ناسياً الفكرة النقيضة لها التي كان يدافع عنها؟!
تتلخص أفكار الكتاب في أربعة محاور رئيسية، الأفكار المسبقة ودورها في تشكيل فكر وآراء الإنسان، موقفه من منطق أرسطو، وكذلك أسباب النجاح، أما الفكرة الرابعة فهي قوة العقل الباطن، أو خوارق اللا شعور.
ففي موضوع الأفكار المسبقة والبيئة المؤثِّرة على الفرد، يشير إلى أن هناك ثلاثة أنواع من القيود موضوعة على عقل الإنسان تؤثّر في تفكيره، وهي القيود النفسية، والاجتماعية، والحضارية مشكّلة تفاعلاً بيئياً يتخذ منها الإنسان قرارته والتي تتغير بتغير هذه العوامل. يروي عن بقّال أخرج ابنه من المدرسة نتيجة وعظ الفقيه له، إلا أن الفقيه أدخل ابنه فيها لاحقاً ثم تخرّج وأصبح موظفاً، يقول الوردي: «إن الفقيه لم يكن يقصد خداع هذا الرجل»، ويتابع «ولكنه لم يعلم أنه سيأتي يوم ويدخل ابنه في المدرسة». وهذا يعطي انطباعاً بوجود صراع عند الواعظ ضاع فيه بين حقيقة ما يؤمن به، وعاطفته ناحية أبنائه.
وعن المنطق الأرسطي المقدس عند البعض، فإن الوردي بقوة وحزم كسره. فمنطق أرسطو ينطلق من مقدمات إلى نتائج: «كل إنسان فان، وسقراط إنسان، فسقراط إذن فان»، فهو يتعامل مع الأمور بمنظور خطي واحد، إذا استخدم بطريقة خاطئة سيكون سلاحاً يطوِّعه كل فريق كيف يشاء، فباتباع هذا المنهج، كل قاتل إرهابي، والقاتل مثلاً مسلم، إذن المسلم إرهابي.
أسرار النجاح تخبط فيها يمنة ويسرة، مطلقاً أفكاراً تتوالد منها أفكار لا نهاية لها، ففي صفحات يرى النجاح أمراً جبرياً، وفي صفحات يراه اختيارياً. ومع ذلك يمكن تحديد أسرار النجاح بثلاثة أسباب، أولها افعل ما توحيه إليك «بديهتك الارتجالية»، خذ قرارات جريئة دون حسابها من كافة الجهات، والسبب الثاني «كن على طبيعتك» ولا تفكر بما تقول، السبب الثالث عامل «الحظ» أو كما يسميه البعض «التوفيق»، ويقصد به موافقة القرار للحظة الملائمة لنجاحه، أو المؤدية إلى فشله، فهناك قرارات وافقت ظروفاً ملائمة أنجحت كل شيء، أو ظروفاً غير ملائمة أفسدت كل شيء.
أما العقل الباطن فيشير المؤلف إلى وجود فريقين حيال هذا الأمر، فريق يعتقد إن العقل الباطن مكمن الرغبات المكبوتة، والتي تظهر متى ما وجدت «فرصة سانحة للخروج» لتعبر عن نفسها في الأحلام، وهذا فريق التحليل النفسي، وفريق يرى فيه الروح، وهذا يعتبر خوارق اللا شعور دليلاً على وجود عالم آخر غير الذي نعيش فيه، المؤلف لا يؤيد هذا ولا ينفيه، ولكن ينفي طريقة الاعتماد على الغيبيات في التحليل، مؤيداً النظرة العلمية في التحليل بوجود أمواج كهربائية وخلافه.
أخيراً..
الكتاب جميل..
وعلى الرغم من بعض تناقضاته، إلا أنه من الكتب التي تحتاج لأن تقرأه في مرحلة مبكرة من العمر.
ما بعد أخيراً..
تناقضات الكتاب ليست إيجابية ولا سلبية ...
ولكن ربما «إيجا - سلبية»!
** **
- خالد الذييب