عطية محمد عطية عقيلان
حظي أبو العلاء المعري، باهتمام وشغف وتقدير من الأديب طه حسين، وكان هناك تماهٍ وتشابه في ظروفهم، رغم فارق ألف سنة بين عصريهما، تلاشت وكأنهم من جيل واحد، متأثرًا ومستشهدًا، بأقواله وآرائه، وقد جمعهما ظروف «العمى» ووصلوا إلى الناس عبر الأدب، وبدأت رحلة طه حسين مع سيرة وشخصية «أبي العلاء المعري»، التي استهوته، للبحث عنها واكتشافها وتقديم أدبه وجماليته، كانت في عام 1914م، من خلال أول أطروحة له لنيل شهادة الدكتوراه، تحت عنوان «ذكرى أبي العلاء المعري»، يؤكد فيها بإنسانيته وأنه ابن بيئته، وهناك تجنٍ باتهامه بالزندقة والمطالبة بنفي إنتاجه وإرثه، واستمر بالدفاع عن المعري، وتسليط الضوء على جانبه الإيجابي، لاسيما أنه يقول «ورأيت بيني وبين الرجل تشابهاً في تلك الآفة المحتومة، التي لحقت كلينا في أول صباه، فأثرت في حياته أثراً غير قليل» ويقصد فقدان البصر، وألف كتبًا عنه هي: تجديد ذكرى أبي العلاء، ومع أبي العلاء في سجنه، وصوت أبي العلاء، ولم تخل حياة أديبنا من خوض المعارك الأدبية أسوة بالمعري، سواء في المقالات التي كان يكتبها أو آرائه في الشخصيات الأدبية والدينية خاصة بعد صدور كتابه «في الشعر الجاهلي»، وأحدث ضجة فكرية ومنهجية، وأُلفت كتب ومقالات للرد عليه، مستمرة حتى وقتنا، بل أُقيمت عليه دعاوي وقضايا من مختلف التوجهات، ونجحت وقتها، في سحبه من الأسواق، كما حظي بخصومات مع أدباء عديدين في عصره، كان من بينها مع «مصطفى صادق الرافعي» عندما ألف كتاب «تحت راية القرآن.. المعركة بين القديم والجديد»، يرد فيها على مقالات وآراء طه حسين، الذي بدوره انتقد كتب الرافعي «تاريخ آداب عربية» و»رسائل أحزان» وكانت خصومة أدبية محتدمة، وبينهم معارك كثيرة، ولكن رغم كل هذه الاشتباكات والاختلافات الفكرية والأدبية، لم يحولها إلى خلافات إنسانية أو يلجأ إلى الخصومة بقلة مرؤة، فعندما توفي الرافعي، كان طه حسين عميد كلية الآداب، وكانت ابنة الرافعي طالبة فيها، ولم تستطع دفع الرسوم الجامعية، فطلب من اللجنة المختصة أن تعطي ابنة الرافعي المجانية، وإذا كان هناك حائل قانوني دون ذلك، فأنا على استعداد لدفع المصروف من جيبه الخاص، وعن نقده لمصطفى لطفي المنفلوطي، عبر عن استحيائه فيما كتبه ضده، كذلك عندما كان يكسب قضايا رفعها على الآخرين، كان يستجيب لطلب القضاة ويتنازل عن حقه مباشرة بلا تردد، ويحسب له أنه كان يؤمن أن التعليمالماء والهواء حق للجميع، وكان أول من نادى بمجانية التعليم في المرحلة الثانوية والفنية وطبقت في عهده عندما كان وزير المعارف، وحاول في التعليم الجامعي ولكنها لم تنجح وطبقت بعد ذلك، كما أنه لم يدخر جهدًا في تقديم يد العون والمساعدة والجاه للآخرين، رغم شكواه من مقابلة هذا الإحسان بالإساءة والتنكر والكيد الخبيث أحيانًا، وله العديد من المؤلفات التي تكشف عن حياته وسيرته مثل كتاب «الأيام» بأجزائه الثلاثة، ومؤلفات أخرى متأثرة بالمنهج الديكارتي والغربي، نتيجة دراسته في فرنسا وأداته الفرنسية واليونانية واللاتينية، ويعتبر أن أول كتاب له عن السلام هو «على هامش السيرة» وهي سرد مبسط لسيرة النبي صلى الله عليه سلم.
خاتمة: ترك طه حسين إرثًا أدبيًا يستحق أن يُنشر، كتب بأسلوب رشيق، سهل فهمه، وجود مقابلات مصورة وأحاديث إذاعية، ومقابلات صحفية، متاحة على اليوتيوب، نستطيع من خلالها معرفة أفكاره وطريقة طرحه وتواضعه الجم، ومعاصرين عايشوه، وأُطلق عليه لقب «عميد الأدب العربي»، وكان ينصح الشباب بالقراءة كثيرًا، ويقول «كل عمل صالح عبادة»، واعتبر الناس كالمعادن منهم من يعلوه الصدأ ومنهم من لا يصل الصدأ إليهم، كذلك حال سيرة طه حسين الإنسانية والأدبية، أصيلة ومؤثرة ولم يصلها الصدأ.