د. إبراهيم الشمسان أبو أوس
بلغة واضحة سليمة استطاعت الأستاذة القديرة سارة بنت محمد الخميس أن تكتب للقارئ العادي هذا الكتاب (مدخل عام في علم الطفيليات)، نشرته مجموعة تكوين المتحدة للطباعة والنشر والتوزيع، عام 1443هـ.
الطفيليات جمع طفيليّ، نقل اللفظ من اللغة إلى الاصطلاح الأحيائيّ، وأما معناه اللغويّ فجاء في تهذيب اللغة للأزهري (13/ 236) «وَقَالَ ابْن السكِّيت: فِي قَوْلهم فلانٌ طُفَيلِيّ للَّذي يدْخل المآدبَ وَلم يُدْع إِلَيْهَا هُوَ منسوبٌ إِلَى طُفيل، رجل من بني عبد الله بن غَطفَان من أهل الْكُوفَة، وَكَانَ يَأْتِي الولائمَ دون أَن يُدْعَى إِلَيْهَا، وَكَانَ يُقَال لَهُ: طُفيل الأعراس أَو العرائس، وَكَانَ يَقُول: ودِدْتُ أنَّ الْكُوفَة بِرْكَةٌ مُصَهْرَجة فَلَا يخفى عليّ مِنْهَا شَيْء. قَالَ: وَالْعرب تسمي الطُّفَيلِيَّ: الرّاشِنَ والوارِش. وَقَالَ اللَّيْث: التّطفيلُ من كَلَام أهل الْعرَاق، وَيُقَال: هُوَ يتطفّل فِي الأعراس».
بدأت المؤلفة القديرة كتابها في فصله الأول (مقدمة في علم الطفيليات) بتمهيد للموضوع نال جوانب مهمة من جوانبه، ففي المقدمة لعلم الطفيليات بينت تصنيف مجموعات الكائن الحي بتسلسلها الهرمي: مملكة (شعبة (طائفة (رتبة (عائلة (جنس (نوع. ثم ذكرت طبيعة العلاقة بين الكائنات التي أجملت في ثلاث ظواهر: التعايش، والتكافل والتطفل. وثمَّ شرح لتوافق الطفيلي مع الثويّ الذي منه متوسط ونهائي وناقل وخازن، وطرق انتقال الطفيلي التي منها الفم والجلد ومنها ما يكون بالجنس والمشيمة والمفصليات، ثم كان الحديث عن تكيف الطفيلي، وختمت هذا الفصل بأمر مهم هو غاية من غايات الكتاب وهو مكافحة انتشار الأمراض الطفيلية.
وأحسنت المؤلفة القديرة حين أوجزت في كتابها الحديث عن كفاح الإنسان للمرض وما اقتضاه هذا من نشأة علم الطب بعامة وعلم الطفيليات بخاصة، وأظهرت جهود الأمم المختلفة في هذا الشأن، إذ تحدثت في الفصل الثاني (التاريخ العام لعلم الطفيليات) عن الطب في حضارة مصر القديمة وحضارة ما بين النهرين حضارة الهند القديمة وفارس واليونان والرومان والبيزنطيين، ثم تحدثت عن الطب في الحضارة الإسلامية، وختمت الفصل بكلام عن استقلال علم الطفيليات عن الطب.
ثم بدأت الكلام في الفصل الثالث وهو أطول فصول الكتاب عن (أنواع الطفيليات) وهو حديث عن ما تراه العين وما لا تراه إلا بالمجاهر، فأوضحت أقسامها وأنواعها المختلفة، تحدثت عن الأوالي، والأميبيات، والسويطات، واللشمانيات، والمثقبات، والبوغيات، والديدان، والمفصليات.
واستطاعت المؤلفة القديرة بالعبارات الدقيقة وما يُسعدها من الرسوم والأشكال التوضيحية التي صنعتها هي نفسها استطاعت بذلك أن تقدم شرحًا فيه دقة العلم وسهولة المأخذ، وبينت عند حديثها عن كل طفيل أطوار حياته وما يحتال به لنفسه مما يكفل استمرار ازدياده وبقائه، وإنّ من هذه الحيل ما يمكن عده ضربًا من الخيال لولا إثبات العلم حدوثه، مثل كون المقوسات الداخلة في الفأر تؤثر في دماغه حتى تجعله يتودد إلى عدوه كالقط ويبذل نفسه له ليأكله لتنتقل المقوسات إلى أمعاء القط حيث تضع بيوضها، جاء في ص106 «وتصاب الفئران بداء المقوسات عندما تتركز كيسات المقوسات في دماغها، الأمر الذي يسبب اضطرابات في سلوكياتها ويجعلها تتقرب وتتودد على مفترسيها بشكل يخالف غريزتها التي جبلت على الهرب والاحتماء من المخاطر». ثم إن القطة قد تأكل الفأر «وتتكاثر المقوسات جنسيًّا بأمشاج أنثوية وذكرية في أمعاء القطة مكونة بذلك بيوضًا غير ناضجة تنجرف في الأمعاء حتى تخرج مع براز القطة»، ثم تأتي مرحلة أخرى حين تكون البيوض في العراء «تبدأ البيوض بالتبوغ وذلك بإصدار غلاف وقائي ينضج البيوض ويحميها من البيئات القاسية، وتستمر على هذه الحال حتى تلتهمها حيوانات أخرى أو تتلوث بها المياه والأطعمة، وتعد مرحلة الأبواغ للمقوسات هي الطور المعدي».
وبينت الباحثة القديرة خطر كل طفيل على الإنسان والظروف التي تهيئ للطفيل فرصة مهاجمة الإنسان.
واستعانت الأستاذة سارة بنت محمد الخميس بطائفة من المراجع والمصادر العربية التراثية والحديثة وبطائفة من المراجع والمصادر غير العربية فأحسنت الاستفادة منها.
يقف تأمل معطى هذا الكتاب، الجميل الإخراج العظيم الفائدة، الإنسان على هوان نفسه أمام عوالم بعضها ظاهر وبعضها خفي، ويذكره بما حبي من نعمة العقل التي أسعدته على تبين أسرار بعض هذه العوالم وهداه إلى سبل الوقاية من أضرارها، وكشف له مدى توازن الحياة، التي هو جزء منها، على نحو تكافلي من الخطر العبث به والإخلال بتوازنه.
هذا كتاب آخر الأمر جدير بالقراءة.