سهوب بغدادي
إننا في عام 2023 وما زلنا نرى ظاهرة خطبة الأطفال خاصة الفتيات فور ولادتهن، فيهرع الأهالي بحجز «النونو» لـ»نونو» آخر! في الماضي كانت العملية بديهية ومحصلة متوقعة باعتبار أن العوائل كانت ممتدة وتعيش وتكبر في منزل واحد، بل يشارك الجميع في عملية التربية للطفل، فبعدما يتزوج الشاب ابنة عمه عن معرفة وخبز وعجن لأخلاق الفتاة والشاب، والتربية واحدة ومشتركة وزواجهما مجرد امتداد لتلك الأسرة الممتدة سابقاً، إن الزمان اختلف والأشخاص اختلفوا كما اختلفت التربية وأساليبها ما بين أسرة أخ وأشقائه، ولم نعد نعرف القريب بنفس القدر الذي كنا نعرف به قريبنا ومعظم أولاد الحارة، فلما نرى تلك الظاهرة في يومنا الحالي؟ خاصة أن الدولة أنهت ظاهرة زواج القاصرات فلماذا نرى خطبة القاصرات، فالأولى أن تندثر هذه الظاهرة.
قد تكون الفرحة وفورتها هي الحاكم في الأمر، وقد تكون بقايا تلك العادات والمعتقدات، مما لا شك فيه أن الزواج من الأقارب ليس سيئاً بالضرورة إلا أن السيء أن تربط شخصين وفي هذه الحالة طفلين لا حول لهما ولا قوة ببعضها بعضاً، خاصة عند تفاقم المسألة ووصولها للمزح المتكرر على مسمع ومرأى من الطفلين اللذين سيظنان أن ذلك من المسلمات، وقد يعي طفل دون الآخر أن هذا الأمر لا يلائمه فينفر من الفكرة، وعلى الأغلب ستكسر قلوب في القصة الهزلية، فإن كسر قلب الفتاة التي لا تعرف سوى هذا الخطيب المؤجل لن تكون العاقبة جيدة، بالتأكيد ستتأثر حياتها المستقبلية تباعاً وينطبق الأمر على الشاب مع خفة وطأة المسألة نظراً لاعتبارات أخرى اجتماعية ودينية، إن القرار بيد الأشخاص المعنيين وليس بيد الجميع بمجرد كونهم تواجدوا في محيط الشخص، وكان من المفترض ألا يساير الأعمام ما قاله الأجداد في لحظة فرح بناء على سنين طويلة من البرمجة المماثلة، فما فعله العم من إهداء «شيك يحوي مهر الطفلة» ليس لطيفاً أو «كيوت» كما يطلقون عليه، بل أمر محزن لأننا سنرى شريط «نيقاتيف أسود» من الماضي ينقلنا مع أشخاص ولدوا وسيعاصروا أزمنة مختلفة وتطوراً مستقبلياً على جميع الأصعدة ومنها الشخصية والاجتماعية، فكفى تهوراً وإساءة للأطفال، لم يعد المحتوى على مواقع التواصل الاجتماعي مفيدا في غالبيته، وهناك ممارسات مشابهة حصلت بتوظيف الأطفال لصالح الأهالي ومكاسبهم الشخصية، وإظهارهم على وجه معين بهدف الصعود «للترند»، فتلك مخالفة لحقوق الطفل، فلا مانع إن كان ما حصل بشكل عائلي كما كان عليه الحال سابقاً، ولكن شعور المشهور أن لديه الحق في نشر ما يشاء كيف شاء ليس مقبولاً نهائياً، في هذا السياق، نكبر دور الجهات المختصة والمعنية بمراقبة المحتوى المرئي والمسموع ونؤكد على إقصاء مثل هذه الممارسات والمشاهد التي تحمل رواسب فكرية وقيوداً مستقبلية لا مكان لها بيننا اليوم.