د. محمد بن إبراهيم الملحم
أرى أن التعليم الفني والمهني بحاجة إلى العناية بالجانب التربوي والسيكولوجي كما يفعل التعليم العام فهذا المجال لا توليه تلك المؤسسات عنايتها حيث ينظر إلى المعلمين فيها على أنهم مدربون فقط ينقلون خبرتهم إلى الطلاب بالطريقة التقليدية، ولا تراعى بيداغوجيات التعلم أو إستراتيجياته الحديثة. الجانب التربوي إنما هو للتعليم العام وأما التعليم الفني فهو مجرد تدريب وتأهيل للوظيفة أي أنه تدريب على ممارسات ولا يحمل مضامين معنوية كالتعاون والتعلم والاستقراء والاكتشاف، وهذه النظرة للتعليم الفني والمهني قاصرة ومحدودة فالطالب يجب أن يوصف بـ«المتعلم» سواء كان في التعليم العام أو التعليم الفني والمهني.
والـ«متعلم» هو من يحل المشكلات بينما المتدرب هو من يمارس عملاً روتينياً بمهارة كافية لتنفيذه بمتطلباته التقنية أو الفنية، ولا يتوقع منه حل المشكلات، ولكن الحياة ليست كذلك، فهناك مشكلات فنية تحتاج إلى تفكير وتحليل وتقديم حلول وطبعاً هذا التفكير لن أتقنه أنا أو أنت حتى لو كنا مفكرين أو أذكياء من الدرجة الأولى لأنه تفكير يجب أن ينطلق من منطلقات فنية تقنية ليصل إلى حل أصيل للمشكلة، إن أبسط دليل على ذلك أننا اليوم نبحث عن الفني «الفاهم» لإصلاح سيارتنا أو مكيفنا لأننا ببساطة نريده أن «يحل» مشكلة وليس أن يفك قطعة ويركب أخرى جديدة فهذه كل يتقنها.
إذن الطالب في التعليم الفني متى ما أعددناه بهذه الروح وتعاملت معه المناهج وممارسات التعليم والتدريب في المؤسسة التعليمية بهذه المنهجية فإن ملكة التفكير النقدي والتحليلي لديه ستنمو وسيكتسب ثقة في ذاته لمواجهة المشكلات وسيتمكن من التعامل مع المشكلات التقنية والفنية في الواقع بكل جدارة وتمكن.
إن مهمة التعليم الفني والمهني أن يخرّج طلابه أو على الأقل نسبة مميزة منهم بهذا المستوى ليتمكنوا من التفاعل مع ما يتطلبه العمل الفني الخدماتي وتصبح لهم قيمة وأهمية في المجتمع بل ويثق المجتمع بقدراتهم وتمكنهم، والتعليم الفني في هذا الشأن يحتاج أن يخرج من صندوقه الضيق المتمثل في التعليم والتدريب النمطي المعتاد ويتحرك في مساحات جديدة من التدريب الواعي والتأهيل العميق للمتدرب ليخرج فنيين أكفاء قادرين متمكنين. ولن يقتصر دور المؤسسة التعليمية الفنية في ذلك على الاجتهاد في شأن الطلاب المتدربين بل هو يحتاج أيضاً إلى جهد ومثابرة في تدريب المعلمين والمدربين سواء في بدء برنامجه الطموح هذا أو أثنائه فبدونهم لا يمكن لمثل هذه الرؤية أن توجد على أرض الواقع فهي نتاج عملهم وإبداعهم المباشر ومتى تخلف أو تهاون في هذا الشأن في أية مرحلة من المراحل فذلك هو بداية التدهور.
** **
- مدير عام تعليم سابقا