د. تنيضب الفايدي
ذو المروة موقع تاريخي لعين ماء وبلدة ومحطة قوافل مندثرة، تبعد 180 كم شمال المدينة المنورة، وتقع على ضفة وادي إضم (وادي الحمض) بالقرب من نقطة التقائه مع رافدين عظيمين، هما وادي الجِزل من الشمال ووادي الطبق القادم من خيبر من الشرق. وبذي المروة مسجد للرسول صلى الله عليه وسلم، روى الزبير بن خارجة بن مصعب عن أبي وقاص عن أبي أوفى قال نزل النبي صلى الله عليه وسلم ذا المروة ونحن معه فلما صلى الفجر مكث لا يكلمنا حتى تعالى النهار ثم كلمنا ثم تنفس صعدا فقلنا: يا رسول الله أخبرنا ؟ قال: نزل علي {لِإِيلَافِ قُرَيْشٍ} إلى آخرها. عمدة الأخبار (ص415). وقال السمهودي في كتابه وفاء الوفا: «الثامن عشر (بذي المروة) على ثمانية برد من المدينة».
وذو المروة كانت محطة للقوافل في القرون الثلاثة الهجرية الأولى في طريق الحج الشامي، حيث يُسلك من وادي القرى إلى السقيا ثم ذي المروة، وبعد ما اندثر هذا الطريق نسيها التاريخ وهجرها سكانها فأصبحت أطلالاً.
وقد ذكر ذي المروة أكثر المؤرِّخين لارتباطها بمصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أثناء سيره إلى غزوة تبوك، ولوقوعها في طريق الحجاج المصري، روى ابن زبالة: «ذو المروة قرية بوادي القرى على ثمان برد من المدينة، وقيل: «بين ذي خشب ووادي القرى». قال المطري في التعريف: «وهو على ثمانية برد من المدينة، كان بها عيون ومزارع وبساتين أثرها باق إلى اليوم». وقال المقدسي في أحسن التقاسيم: «المروة: بلد حصين، كثيرة النخيل جيدة التمور، سقياهم من قناة غزيرة عليها خندق وأبواب حديد، وهي معدن المقل والبردي، حارة في الصيف». قال الفيروزآبادي في المغانم المطابة: «قرية بوادي القرى, وقيل: هي بين خشب ووادي القرى». وقال الحموي في معجم البلدان: «ذو المروة بين خشب ووادي القرى، نسبوا إليها أبا غسان محمد بن عبد الله بن محمد المروي. وقال الهمداني في صفة جزيرة العرب: «ومن المروة إلى المدينة مرحلتان». قال العباسي: «قرية بوادي القرى على ثمانية برد من المدينة، وقيل: بين ذي خشب ووادي القرى، وكان بذي المروة عين قد أجراها الحسين بن زيد». وقال في موضع آخر: «عيون الحسين بن يزيد بن علي بن الحسين بن علي رضي الله عنه وكان للحسين بن زيد ثلاثة عيون من أعمال المدينة أجراها من خالص ماله, إحداها كانت بالمضيق, والأخرى (بذي المروة) والثالثة بالسقيا. وقال البكري: «ذو المروة من أعمال المدينة، قرى واسعة، بينها وبين المدينة ثمانية بُرد (البريد =4 فراسخ، الفرسخ = 3 أميال =8×4 = 32 × 3 = 96 ميلاً. والحوراء من وراء ذي المروة على ليلتين. وذكر البكري: أن مدينة ذي المروة بين ذي خشب ووادي القرى». و ذكر الحربي في المناسك عند ذكر طريق مصر: «ومن السقيا إلى عتاب ومن عتاب إلى المروة، ومن المروة إلى المر ومن المر إلى السويداء ومن السويداء إلى الأراك، ومن الأراك إلى ذي خشب ومن ذي خشب إلى المدينة». وقال البشاري: «تأخذ الطريق من يثرب إلى السويدية وإلى بطن نخل مرحلتين، ومن السويدية إلى ذي المروة مثلها فإن أردت جادة مصر، فخذ من المروة إلى السقيا» سقيا يزيد» هي أحسن مدن هذه الناحية والبساتين والنخيل متصلة من قرْح إليها، ثم إلى بدا يعقوب ثلاثاً، ثم إلى العونيد مرحلة، وإن أردت الشام، فخذ من السقيا إلى وادي القرى مرحلة، ثم إلى الحجر مرحلة، ثم إلى تيماء ثلاث مراحل».
وقد ذهب أحد المؤرِّخين إلى أن أم ذرب (حالياً) هي ذو المروة قديماً حيث يقول: «كما يفهم من القول الذي نقله عن الزبير في وصف وادي إضم أن ذي المروة تقع في مجتمع وادي إضم بوادي الجزل من الغرب، ووادي العيص من القبلة، يفهم من هذا أن الأطلال التي تعرف الآن في متسع التقاء تلك الأودية، والتي أطلق عليها في الخارطة اسم (أم ذرب Omm Dharb) وتقع على الدرجة 25 ْ/ 38 ْ العرض الشرقي والدرجة 26/ 25 ْ شمال خطا الاستواء، تلك الأطلال هي أطلال بلدة ذي المروة، لانطباق أكثر ما ذكره المتقدمون على ذلك الموضع».
وكانت لـ: «ذي المروة» شهرة كبيرة بين الناس، حيث كان العلماء القدامى يستخدمونه في تحديد المواقع العديدة لشهرته، فيقولون مثلاً: عَثْمانُ: جبل بين المدينة وبين ذي المروة، في طريق الشام من المدينة. والعشيرة: حصن بين ينبع وبين ذي المروة مع أن شهرة العشيرة أقوى من شهرة ذي المروة في كتب السيرة النبوية . والعيصُ: من ناحية ذي المروة .
وقد أقطع الرسول صلى الله عليه وسلم عوسجة بن حرملة الجهني من ذي المروة فقد روى ابن سعد: «كتب رسول الله صلى الله عليه وسلم لعوسجة بن حرملة الجهني، بسم الله الرحمن الرحيم، هذا ما أعطى الرسول عوسجة بن حرملة الجهني من ذي المروة، أعطاه ما بين بلكثة إلى المصنعة، إلى الجعلات إلى الحد، جبل القبلة، لا يُحَاقه أحد، ومن حاقّه فلا حق له، وحقُّه حقّ، وكتب العلاء بن عقبة شهد.
وقال العلامة حمد الجاسر - رحمه الله: (المروة): ويقال: (ذو المروة), مدينة لها شهرة تاريخية, نقل السمهودي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نزل بها حينما ذهب إلى غزوة تبوك فقال فيما نقل عن ابن زبالة، خرج صلى الله عليه وسلم: حتى أتى المروة فأسند ظهره إليها ملصقاً ثم دعا قائلا: (اللهم أسقهم الغيث, اللهم سلمهم من الحاج, وسلم الحاج منهم...).
وازدادت شهرة تلك المدينة بعدما أصبحت محطة للحجاج يقدمون من الشام, وللقوافل التي تتجه من المدينة, ومن ينبع إلى بلاد الشام, وإلى سواحل البحر الأحمر الشمالية. فقد ذكر ابن خرداذبة في المسالك والممالك الطريق من مصر إلى مكة وذكر ذا المروة حيث يقول: « من الفسطاط إلى الجب، ثم إلى البويب، ثم إلى منزل ابن بندقة، ثم إلى عجرود، ثم إلى الذنبة، ثم إلى الكرسي، ثم إلى الحفر، ثم إلى منزل، ثم إلى أيلة، ثم إلى حقل، ثم إلى مدين، ثم إلى الإغراء، ثم إلى منزل، ثم إلى الكلابة، ثم إلى شغب، ثم إلى بدا، ثم إلى السرحتين، ثم إلى البيضاء، ثم إلى وادي القرى، ثم إلى الرحيبة، ثم إلى (ذي المروة)، ثم إلى المر، ثم إلى السويداء، ثم إلى ذي خشب، ثم إلى المدينة».
ثم ضعفت في العصور المتأخرة بضعف الحكم في البلاد وانتشار الفوضى, وانقطاع الحجاج من ذلك الطريق, وهي معدودة من وادي القرى.
وقد وصفها البشاري في القرن الرابع الهجري فقال: «والمروة بلد حصين، كثيرة النخل، جيدة التمور, سقياهم من قناة غزيرة، عليها خندق وأبواب حديد، وهي معدن المقل والبردي, حارة في الصيف، الغالب عليها بنو جعفر، ولعلّ تسميتها بالمروة جاءت لوجود مرو صغير ناصع البياض جداً يملأ أرضها».
إن معرفة المواقع التاريخية وما تتعلق بها من أحداث ترسخ المحبة ووشائج الوطن في كلّ من ينتمي إلى هذا الكيان الشامخ، كما أن لها أثر كبير في تحبيب الطلاب والطالبات والقراء والقارئات لوطنهم ومن ثم الاعتزاز بــه.