د.شريف بن محمد الأتربي
كعادتنا أنا والزملاء منذ تركت مدارس الرياض نتقابل في صبيحة يوم الجمعة لتناول طعام الإفطار ونستمتع بالحديث عن كافة أمور الحياة والعمل، وفي هذه الجمعة تناولنا آخر مقال نُشر لي وهو يتناول الاستدامة في التعليم كيف نعمل على تحقيقها، وذكرت بعض الحلول والتوصيات لتفعيل هذه الاستدامة، وأنهينا فطورنا لننتقل إلى فنجان قهوتنا وتناول الحلى، وعند باب المطعم توقفنا؛ لنسجل مقطع فيديو ونأخذ بعض الصور التذكارية معاً.
كان الحضور يشمل أخي أ. فايز نصار، رفيق درب العمل في مدارس الرياض وبعدها على امتداد أكثر من 30 عاماً، ومعنا الصديقان العزيزان أ. هاني همام ود. حسام الدين فوزي، تحدثت في الفيديو عن محبتنا وصداقتنا التي استمرت حتى بعد مغادرتي لمدارس الرياض وكذلك مغادرة أ. فايز هذا العام لها، وكان الفيديو مليئًا بالمشاعر الفياضة والمحبة فأردت أن يكون هو فيديو الصباح الذي أبثه عبر تطبيق الانستغرام لأبنائي وأصدقائي منذ فترة طويلة.
لم تتجاوز مدة الفيديو 6 دقائق، نشرته ونسيت أمره واستكملنا صحبتنا لهذا اليوم، وبعد القهوة افترقنا كل إلى مقصده، وكعادتي تركت جوالي ونحيته جانبا حتى أستعد لصلاة الجمعة، وما أن انتهت الصلاة إلا وبدأت استعرض الرسائل التي تصلني، وأرسل رسائلي الصباحية فلفت انتباهي أن الفيديو الذي نشرته يحظى بإعجاب يتزايد وتعليقات جميلة ورائعة كما هم كاتبوها، ومع الوقت تزداد التعليقات وتجاوز عدد معجبي الفيديو 300 معجب، وبمقارنة هذا العدد بعدد معجبي الفيديوهات التي أبثها يوميا أجد أن العدد ربما يتجاوز 3 أضعاف وأكثر مما لفت انتباهي وجعلني أتوقف عن متابعة العدد والتفكير في السبب الذي قفز بعدد المعجبين إلى هذا الرقم؛ لأجد الإجابة تتمثل في استدامة المشاعر فاتخذته عنوانا لهذا المقال.
خلال الفيديو ظهر معي أخي فايز وهاني وحسام مع الاحتفاظ بالألقاب، وكان على الطرف الآخر يشاهد الفيديو طلابنا وأبناؤنا طلاب مدارس الرياض، فتخيلت الصورة الجميلة التي أحاول أن أرسمها الآن كتابة ولعلي أستطيع، رأيت طلابي وهم يشاهدون معلميهم الذين صاحبوهم على مدار أكثر من 10 سنوات داخل جنبات المدارس، وجدران الغرف الصفية، سيلٌ من الذكريات تتداعى أمام كل منهم، يتذكروننا في مواقف عدة، في الملعب والمطعم، في الساحات والحفلات، في كل شبر من جنبات المدارس لنا ذكرى معهم، تتجلى أمام الأعين مواقف معينة ظلت محفوظة في الذاكرة رغم تكالب الزمن والحياة عليها إلا أنها اختصت بجزء منها لأحداث الطفولة والمراهقة والشباب، الكل يستمد ذكرياته من دفء مشاعر أحس بها عند مشاهدته الفيديو، يتذكر أننا ربما قسونا عليهم في وقت ما ولكنها كانت قسوة المحب، قسوة مملوءة برغبة في النجاح والتفوق، يتذكرون كل كلمة تحفيز لهم وكل تعزيز حصلوا عليه منا، إنها المشاعر لا تخطئ، تدل العقلاء لتصرفاتهم.
إن استدامة المشاعر لا تشمل فقط معلما وطالبا، بل تتسع لتشمل كافة جوانب الحياة، وتشمل الأب وأبناءه، تشمل الأصدقاء، تشمل الجيران، تشمل المجتمع كله، فعلاقة الأب بأبنائه مثلا علاقة دائمة لا يمكن إنكارها ولكن المشاعر نفسها، المشاعر تحتاج إلى استدامة، فكل الحب الذي بُث في شرايينهم وهم صغار يحتاج أن يستمر وهم كبار، تحتاج المشاعر إلى استمرارية، لا يمكن القول إن اظهار محبتي لأبنائي يتوقف مع كبرهم وأنهم لا يحتاجون إلى التعبير عن ذلك من باب أنهم مدركون هذه المشاعر، وقس على ذلك مشاعر الحب والاحترام بين أفراد العائلة، وبين الجيران، وبين زملاء العمل، وبين الأصدقاء، وحتى في الشوارع والطرقات، لا نيأس من عدم تبادل المشاعر مع الآخرين، فحتى وإن كان الطرف الآخر جاف المشاعر فربما ابتسامة منك تلين قلبه.
لقد أراد الله سبحانه وتعالى أن يرشد المجتمع الإسلامي لوصفة علاجية تديم تماسك المجتمع وتحفظ أواصره فقال لنبيه الكريم في محكم آياته: {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللّهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللّهِ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ} (159) سورة آل عمران.
** **
- مستشار تدريب وتعليم