قيادة (إسرائيل) الحاكمة تريد ابتلاع الأراضي الفلسطينية، والتخلص من الديمغرافيا الفلسطينية، والأغلبية الإسرائيلية تخشى السلام، وحل القضية الفلسطينية، والتبريرات الإسرائيلية كثيرة ولا نهاية لها، حتى إن القيادة الإسرائيلية رفضت دعوة زعماء يهود أميركا، لتقديم تنازلات من أجل السلام، ففي رسالة فريدة من نوعها تحمل تواقيع (100) من زعماء يهود أمريكا البارزين مرسلة إلى «نتنياهو» وحكومته ألحوا فيها على تقديم تنازلات جوهرية من أجل السلام، هذه الرسالة التي بادرت بها منظمة «إسرائيل بوليسي فورم»، في عام 2013م وقد تنامت الأصوات اليهودية في أمريكا وأوروبا الداعية للسلام ولم تجد آذانا صاغية في إسرائيل لأنها لا تملك قرارها، فهي كيان وظيفي يؤدي وظيفته كما يرسم إليه، القرار الحقيقي في يد الصهيونية العالمية المرتبطة بالأجندات الاستعمارية وعلى رأسها اليوم الولايات المتحدة الأمريكية.
قد تكشف هذا الأمرجلياً في ظل إدارة الرئيس دونالد ترامب الذي وعدَ بالعمل على تحقيق السلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين في بداية ولايته إلى أن كشف عن نواياه المتطابقة مع الرؤيا الصهيونية الاستعمارية ومع رؤية اليمين الصهيوني المتحكم في إدارة إسرائيل من خلال سلسلة المواقف المنحازة لصالح إسرائيل والتي من شأنها أن تحول دون تحقيق أي شكل من أشكال التسوية والسلام، وإنما ترمي إلى فرض الاستسلام على الشعب الفلسطيني، وفرض كيان إسرائيل ودمجه في المنطقة دون الوفاء بمتطلبات التسوية السياسية الحقيقية ومتطلبات السلام التي تقضي بإقرار تنفيذ الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني في وطنه، وفي مقدمتها حقه في العودة وتقرير المصير وإنهاء الاحتلال، وتمكين الشعب الفلسطيني من إقامة دولته المستقلة وعاصمتها القدس.
هذا ما يؤكد أن حكام إسرائيل حقيقة لا يملكون من أمرهم شيئا، فقرارهم بيد من يمتلك القرار في واشنطن، وأن كيان إسرائيل ما هو إلا كيان وظيفي في خدمة الصهيونية العالمية المسيطرة على مفاصل الدولة العميقة في أمريكا، التي بيدها قرار الحرب والسلم وقرار التوسع وبقاء واستمرار الاحتلال والاستيطان على حساب قضم الحقوق وقضم الأراضي الفلسطينية، لنتذكر أن اتفاق أوسلو لو كان أمر إعداده بيد أمريكا في حينه لما تم إنجازه رغم كل مثالبه، لذا كان قرار تصفية طرفية رابين - عرفات من قبل اليمين الصهيوني والتغطية عليه والرضا من صانع السياسة الأمريكية.. ولم يستطع بعدهما أي من قادة إسرائيل الاقتراب من فكرة التسوية الحقيقية، خشية أن يلاقي مصير رابين - عرفات، وتلاشت القوى المؤثرة في كيان إسرائيل التي تتطلع إلى التوصل إلى أي تسوية مقبولة.
هكذا جرى التحول نحو مزيد من التطرف لدى المجتمع والطبقة السياسية وازدادت قيادات إسرائيل تطرفا ويمينية، إلى أن وصلت إلى الصيغة التي هي عليه اليوم ويمثلها عصابة من الفاسدين والقتلة الطوطميين (نتنياهو وابن غفير وسموتريتش وادرعي... وغيرهم)... وقد تم إنهاء وإسكات وإقصاء كافة القوى الحزبية الإسرائيلية التي كانت تدعم تيار التسوية والسلام ولم يعد لها أي تأثير يذكر ولا أي تمثيل معتبر في الكنيست الإسرائيلي.
إن الإدارة الأمريكية الحالية الديمقراطية برئاسة جو بايدن التي خلفت (إدارة ترامب الجمهورية) سارت على نفس النهج والمنوال، ولم تتراجع قيد أنملة عن أي من المواقف والإجراءات التي اتخذتها إدارة ترامب، وكان أبسطها عدم تنفيذ ما وعدت به مثل إعادة فتح القنصلية الأمريكية في القدس الشرقية وإعادة فتح ممثلية م.ت.ف في واشنطن واللتين أغلقتهما إدارة الرئيس ترامب.
وتواصل إدارة الرئيس جو بايدن نفس السياسة الأمريكية المعتادة بتوفير الغطاء الدولي لسياسات إسرائيل، القائمة على استمرار التوسع والاستيطان، وإنكار الحقوق الوطنية للشعب الفلسطيني بحقه في العودة وتقرير المصير وإقامة الدولة، رغم ما تعلنه وتبثه الإدارة الأمريكية من تصريحات باهتة بشأن دعمها لحل الدولتين بين الطرفين، دون أن تقدم على أي إجراء من شأنه أن يترجم هذه التصريحات إلى سياسة فعلية واقعية على الأرض تنهي حالة الصراع وتضع حدا لدوامة العنف، وتؤسس لتسوية مقبولة على أساس حل الدولتين.
إذا ما تفحصنا مواقف كافة الدول والمجموعات الدولية في العالم من أوروبا إلى روسيا إلى الصين إلى المجموعة الإفريقية ومجموعة 77+ الصين نجدها جميعها مع إحقاق الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني وإنهاء الاحتلال على أساس تنفيذ القرارات الدولية بشأن الصراع بما فيها القرار 194 القاضي بحق العودة للاجئين الفلسطينيين إلى ديارهم..
يبقى الموقف الاستثناء عن الإجماع الدولي هو موقف الولايات المتحدة الممثلة في رؤى الرئيس ترامب سابقاً ومواقفه المجافية للقانون والشرعية الدولية فيما يتعلق بالتسوية وإنهاء الصراع ورؤى، ومواقف الرئيس جو بايدن اليوم التي لا تختلف عن رؤى سلفه، بل يؤكد التزام الولايات المتحدة بالحفاظ على أمن إسرائيل وتفوقها. دون حل القضية الفلسطينية. إن القيادة الإسرائيلية اليوم، تخشى السلام وتخشى الاقتراب منه ولا مكان له في فكرها وسياستها وثقافتها وبرامجها، بل تتبارى كل من السلطة والمعارضة فيها في إجراءاتها الإجرامية والأمنية والعسكرية في حق الشعب الفلسطيني وفي مواقفها المتطرفة
إزاء استمرار إنكار الحقوق الوطنية المشروعة للشعب الفلسطيني، ومواصلة سياسة التوسع والاستيطان وضم الأراضي الفلسطينية، سعياً منها إلى قذف الشعب الفلسطيني إلى خارج جغرافيا وطنه فلسطين، والتخلص من أية أعباء وأي مسؤولية قانونية وسياسية واجتماعية إزاء قضيته.