م.عبدالمحسن بن عبدالله الماضي
1. الثرثرة هي كثرة الكلام، والثرثار هو الذي يخرج عن الحد المسموح به من الكلام، ويتكلم بلا ضوابط.. وهو داء يصيب الرجال والنساء على حد سواء ويدفعهم للكذب والغيبة وبث الشائعات وكشف الأسرار وإثارة الفتن وادعاء المعرفة وحب الظهور.. فشهوة الكلام تتملكهم إلى درجة يفقدون فيها صوابهم إن لم يتح لهم أن يتكلموا.
2. يعرف الثرثار أن الناس تحتقره ومع هذا لا يتوقف عن الثرثرة، فهل يمكن علاجه من ذلك؟ وهل يعرف أن ثرثرته مزعجة؟ وإذا كان يعرف ذلك فلماذا يستمر بالثرثرة؟ وهل للثرثرة فوائد على الثرثار؟ وما هي مضارها عليه؟
3. الثرثار يبادر دائماً بالحديث مع من يعرف ومن لا يعرف، يتكلم في كل شيء، في السياسة، والاقتصاد، والاجتماع، والمناخ، والفضاء، والناس، والحيوان، والنبات، وتخطيط المدن، وصناعة السيارات، والرياضة، والفنون، وكل ما يخطر لك على بال.. يرى نفسه موسوعة متحركة يعرف كل شيء لذلك يسميه الناس (أبو العريف).. والثرثار يكون كلامه سريعاً يصعب إيقافه مهما حاولوا، لذلك غالباً يستسلم الحضور أو يتشاغلون بأمور أخرى.. وتعجب من أين له بكل ذلك الكلام فهو لا يستمع ولا يقرأ لأنه دائماً يتكلم.
4. الثرثار لديه حكم على كل شيء، وله رأي في كل شيء، وعنده انطباع عن كل شيء، وفي نفسه شيء عن أي شيء.. لا تعوزه الكلمات ولا المواضيع ولا المناسبة، ولا يهمه أن كنت تنصت إليه أو سارح عنه أو منزعج منه.. ثم إذا وجد منك اهتماماً فهو يستغل ذلك بشرح الموضوع باستفاضة، ويبحر في التفاصيل والاستطرادات حتى يمل المستمع، أما هو فلا يمل، لأنه يتنفس من خلال الكلام وإذا صمت يخاف أن يختنق.
5. يُتهم الثرثار بالكذب لأنه يحتاج أن يملأ فمه بالكلام، فإن لم يجد كلاماً صادقاً قال كلاماً كاذباً، المهم أن يثرثر.. فهو شخص لديه جواب لكل سؤال، وإجاباته فورية سريعة خشية أن يسبقه أحد على الإجابة، لذلك فإجاباته بلا تفكير.. والغريب أنه لا يشعر بالإهانة لو قيل له: اسكت، أو أنك مخطئ، أو أنك تكذب! كما أنه لا يشعر بالحرج من قول كلام جارح أو شائن تجاه الآخرين، المهم هو أن يثرثر مهما كان السبب أو الثمن أو الموضوع.
6. الثرثرة داء عضال يُفقد صاحبه الهيبة والاحترام وهو حتماً يُفقد الأصدقاء.. فالثرثار لا أصدقاء له، لذلك فهو يقنع نفسه أن كل الناس أصدقاؤه وسوف يتحدث إليهم حتى يفروا من أماكنهم.. المشكلة في هذا الداء لا دواء له، وتبعات أضراره على الثرثار كثيرة، أقلها أنه يصبح مكروهاً من الجميع، خصوصاً أن الثرثار لا يشعر بأنه غير سوي، ولا يعرف كيف يربط لسانه بعقله، كما أنه لا يصغي لما يقول ليكتشف أن كلامه هذر لا طائل ولا نفع فيه.
7. الثرثارون يتواجدون في كل تجمع عام وبالذات الندوات والمحاضرات الثقافية بلا دعوة وبلا ترحيب، لكنهم يحضرون ويشاركون ويعلقون بكلام طويل مشوش وبألفاظ فوضوية.. المهم أن يفرغوا ما في جوفهم من غثاء، حيث يتملكهم شعور بأنهم أشخاص ذوو فهم عميق، ولديهم رغبة في التعالي ولفت الأنظار، ولا يعرفون آداب الحوار وليس لديهم مهارات التفكير أو الاستدلال المنطقي.
8. الثرثرة داء قديم، فالوصايا والأمثال القديمة في كل المجتمعات الإنسانية تثبت ذلك.. ومن الأمثال السائدة: إذا كان الكلام من فضة فالسكوت من ذهب، ومن وصايا الرسول الكريم: (من كان يؤمن بالله فليقل خيراً أو ليَصْمُت).