محمد سليمان العنقري
المواجهة الأمريكية الصينية لم تعد خفية وبدأت تتوسع كثيراً في ميادين مختلفة فلا شيء يقلق واشنطن ويهدد مكانتها كأقوى اقتصاد عالمي إلا الصين وقد عبر مسؤولون أميركيون بمناسبات عديدة عن نظرة بلادهم لبكين أنها تمثِّل تهديداً لأمنها القومي وهو ما تضمنته إستراتيجية بايدن التي أعلنها قبل عدة شهور فمن الحرب التجارية التي أشعلها الرئيس الأمريكي السابق ترمب ضد الصين إلى التحركات العسكرية والدبلوماسية الاستفزازية التي قامت بها حكومة بايدن وكذلك رئيسة مجلس النواب السابقة بيلوسي بزيارتها لتايوان أصبح من الواضح أن الهدف تحجيم قدرات الصين وإرباكها بملفات عديدة حتى لا تتمكن من استمرار تحقيق أهدافها الاقتصادية التنموية وكذلك تطوير قدراتها العسكرية للدفاع عن مصالحها خارج حدودها.
حيث عملت واشنطن على تشكيل تكتلات سياسية وعسكرية وأمنية في الشرق الأدنى وكذلك بالمحيطين الهادئ والهندي ضد الصين كما قامت بالتعاون مع مجموعة السبع الكبار بإعلان مبادرة إعادة بناء العالم لتكون منافسة لمبادرة الحزام والطريق الصينية التي أصبحت تمثِّل قوة تجارية واقتصادية كبيرة لبكين، لكن المواجهة هذه المرة أخذت طابعاً مختلفاً؛ فقبل أيام أسقطت واشنطن منطاداً صينياً قالت إنه للتجسس بينما رفضت الصين هذه الاتهامات وقالت إنه لأغراض مدنية وبذات الوقت ذكرت أن أميركا أرسلت العام الماضي حوالي عشرة مناطيد دون إذن من السلطات الصينية فظهور هذه الأزمة على السطح ما هو إلا رسائل بينهما تذكر بما كان يحدث بالحرب الباردة بين أميركا والاتحاد السوفيتي فإذا تكررت هذه الحرب مجدداً مع الصين فإن ذلك يعني دخول العالم في انقسامات وتجاذبات سيكون لها تداعيات سلبية على التعاون الدولي والاقتصاد العالمي وستتفاقم الأزمات أكثر بتوسع نطاق الحرب الروسية الأوكرانية، فالدخول باختراق للأجواء عبر أجسام طائرة سيزيد من التصعيد بين البلدين وقد ينتقل لحروب بالوكالة والعمل على أضعاف كل طرف للآخر وستكون الخسارة فادحة للاقتصاد العالمي لأنهما تشكلان حوالي 40 بالمائة منه كما أن التوجه للتسليح سيرتفع وكذلك زيادة انتشار القواعد العسكرية من الطرفين خارج حدودهما بالإضافة إلى تركيز كِلتا الدولتين على غزو الفضاء سيعني أن نطاق استخدامات كل الأدوات في هذه المواجهة سيكون حروباً عديدة تجارية وسيبراتية وأيضاً من الفضاء فقد شكلت أميركا بعهد ترمب قوة للفضاء لا تعرف أهدافها والصين تعمل أيضاً على حجز مكانة مؤثِّرة بالفضاء ورغم أن الحديث عن توجه الدول لما بات يعرف باقتصاد الفضاء لكن يبقى للاستخدامات العسكرية والأمنية الدافع الأكبر لكل هذه الاستثمارات وفق تقارير دولية عديدة من مراكز عالمية مهتمة بالتحولات الإستراتيجية الدولية، فحرب المناطيد ليست إلا مقدمة لمزيد من التناحر والمواجهات المباشرة وغير المباشرة بين أميركا وحلفائها ضد الصين الساعية للاستقلال التكنولوجي عن الغرب خلال العشرة الأعوام القادمة.
يمر العالم بمجموعة معقدة من الأزمات فجائحة كورونا لم يتم إعلان تخفيض درجتها من منظمة الصحة العالمية والحرب الروسية على أوكرانيا تزداد سخونة والاقتصاد العالمي يواجه عدم يقين غير مسبوق ويضاف لكل ذلك زيادة التوترات بين واشنطن وبكين مما يمثِّل ضغوطاً إضافية على الاقتصاد العالمي والتجارة الدولية ويضعف القدرة على كبح التضخم، فهل أصبح أمن العالم وسلمه واقتصاده رهينة لحرب المناطيد؟