رمضان جريدي العنزي
هناك جلسة طيبة، وهناك جلسة رديئة، هناك جلسة محفوفة بالأنس والألفة والدعة، وهناك جلسة محفوفة بالسوء والقبح والبشاعة، هناك جلسة للثرثرة والقيل والقال والهمز واللمز بعيداً عن الانضباط والموضوعية دون خجل ولا ورع، وهناك جلسة فكر وعلم وأدب وثقافة وطرح قويم، هناك جلسة بلسم، وهناك جلسة جرح، هناك جلسة حرير، وهناك جلسة شوك، هناك جلسة ضجيج وصخب، وهناك جلسة هدوء وسكينة، هناك جلسة عفة، وهناك جلسة لغو، هناك جلسة وجل ودجل، وهناك جلسة صدق وأمانة، هناك جلسة خداع وبهت، وهناك جلسة حب وإخاء، هناك جلسة لها ريح عاتية وحارة، وهناك جلسة لها ريح لطيفة وعليلة، هناك جلسة فيها ابتسامات عريضة وضحكات لطيفة، وهناك جلسة فيها عبوس وتجهم، هناك جلسة فيها مظاهر مستعارة، وهناك جلسة فيها مظاهر واقعية، هناك جلسة فرد عضلات، وهناك جلسة وقار، جلسة تشرح الصدر وتزيل الغم وتجلب السعادة، وجلسة تضيق الصدر وتجلب الغم والأسى والتعاسة.
إن المجالس عديدة كثيرة ومتنوعة، ولكل مجلس طعمته ونكهته وسمته الخاصة، فيا أيها الناس أصحاب العقول اللبيبة الرشيدة، أعيدوا حساباتكم قبل ذهابكم للمجالس، واختاروا مجالس البشر والطلاقة، والعفة والأنس والبلاغة، والوجوه الهاشة الباشة، ذات السجايا النبيلة، والخصال الأصيلة، وابتعدوا كثيراً عن مجالس الازدواجية والتناقض، واللغو والاستهجان والكيد والتباغض، والنفوس الخبيثة الماكرة، المشوبة بالتهويل والمبالغة والمظاهر المستعارة، والتي تحمل في ثناياها الغل والخبث واللؤم وحب الوقيعة، صرعى أخيلة زائفة، وقراءات خاطئة، وكلام لا يستند إلى مدرك سليم، ومسالكهم مذمومة ولا يكفون عن نسج خيوط الإيلام والإيذاء، إرضاءً لنزعة الشر الكامنة في أعماقهم، والذين ينطبق عليها قول الفرزدق:
فلو أسقَيتَهُم عَسَلاً مصفَّى
بماء المُزن أو ماءِ الفراتِ
لقالوا : إنَّه مِلْحٌ أُجاجٌ
أراد به لنا إحدى الهَناتِ