عادل علي جودة
لا شك أن الألم يعتصر القلوب جراء ما نتج عن هذا الزلزال من دمار، وموت، ومعاناة، في كل من تركيا وسوريا، إلا أن هناك (أيضًا) رسائل متعددة يستلمها كل ذي ضمير حي، ودروسًا لافتة تستوجب الكثير من التأمل والتدبر، فهناك:
رسالة من سيدة وصل إليها المنقذون، وأفسحوا المجال أمامها للخروج من تحت الأنقاض، إلا أن طهرها أشار لهم أن أكملوا جميلكم بغطاء أستر به نفسي.
ودرس من تلميذ لمّا خرج سالمًا من تحت الأنقاض، راح يرسل رسالة بصوته الباكي لأستاذه يخبره فيها أنه وإخوانه نجوا بفضل الله، لكن بيتهم تهدم ووالديه قضيا تحت الركام، وما كان همّه إلا أن يعتذر له إذ لا يستطيع حضور الدرس.
ورسالة من (فقير حال) لم يملك أجرة الشقة الصغيرة التي يسكنها، فما كان من صاحب الشقة إلا أن يطرده، فحمل أطفاله إلى خيمة بسيطة تقيهم لسعة البرد، ولما حل الزلزال أفقد صاحب الشقة عقاره، ولمَا هرب يبحث عن مأوى وجد نفسه يحط في خيمة (فقير الحال).
ودرس من طفلة لا أظنها تجاوزت الرابعة من عمرها تئن ألمًا، ليس مما أصاب وجهها المتورم وجفونها المنتفخة إثر ما تساقط عليها من ركام وأحجار، إنما حسرة على مرور يوم كامل دون أن تصلي.
ورسالة من طفل لا يتجاوز السنتين من عمره تتناقله أيدي منقذيه من شخص إلى آخر، فما ترك واحدًا منهم إلا ولاطفه بأنامله؛ فتارة يشد شعر لحيته، وتارة يداعبه بضربات طفولته على رأسه ووجهه والابتسامة لا تفارقه، وكأني به يقول لهم لا تقنطوا من رحمة الله.
هذه عينة من تلك الرسائل والدروس التي أراها تمثل النزر اليسير من رسائل ودروس أخرى دفنت في متاهات الدمار، فكم من زوج أهان زوجه لأسباب واهية اختلقتها سذاجته؟!، وكم من ابنٍ عق والديه إرضاء لنفوس مريضة أبت إلا أن تفرق بين الابن وأمه وأبيه؟!، وكم من قاطع رحم تجاهل قول رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم «لا يدخل الجنة قاطع»؟!، وكم من ظالم تاه في ظلمات جبروته؟!، وكم من لسان سوءٍ أهلكته بذاءته تحت سقف نميمته وبهتانه؟!، وكم من جارٍ لم يراع حق جاره فضيّق عليه حركته وكتم أنفاسه؟!، وكم من فتاة غرقت في منزلقات نزوتها فتمزقت عفتها ففسقت عن أمر ربها وجلبت العار لأهلها؟! وكم من مفتٍ أفتى بغير علم، أو على هواه، متجاهلًا جحيم مثواه؟! فباغتهم الزلزال قبل أن يستغفروا الله ويتوبوا إليه، وكم أشفق على آخرين لم تزل شياطينهم تهوي بهم في حُفَرِ الضياع.
ومن جهة أخرى كم أشفق على شاب ابتعد عن خالقه سبحانه وتعالى، فركب موجة التذمر والتأفف شاكيًا، متناسيًا أنعُمًا أكرمه الله بها؟! وهنا أتوقف متسائلًا: ممَّ تشكو أيها المسكين؟! أتشكو ألمًا أصابك ومضى؟ أتشكو حُبًّا أسأت إليه فانزوى؟! أتشكو ظلمةً ومِن حولك الضياء ملأ الفضا؟! أتشكو همًّا ولك رب يقول (إن الأبرار لفي نعيم).
ويبقى سؤالٌ يغلفه الحزن؛ هل من عقل يفهم؟ هل من أذن تسمع؟ هل من عين تبصر؟ هل من قلب يخشع؟
اللهم رحمةً للموتى، وشفاءً للمصابين، ولطفًا وجبرًا لخاطر الناجين، وعفوًا وهداية لنا أجمعين.