علي الخزيم
* كلمتان خفيفتان تستغرقان جزءاً من الثانية؛ وكِلفتهما على اللسان لا يشعر بها الإنسان، لكن ثمار الجملة وإيجابياتها تعود على من بدأ بها أو ردها بأجمل منها بالخير للدنيا والآخرة، وهو أمر مندوب إليه؛ ومحبب للنفوس الطيبة والعقول الرصينة، فما أجمل أن يكون المرء متواضعاً لطيف التعامل مع الآخرين صغيرهم وكبيرهم دون تمييز مع إعطاء كل قدره.
* مبعث هذه التأملات أن صديقاً أخذ يتمتم بكلمات لم أفهمها؛ قلت: ما بك؟ قال: ذاك زميل دراسة لا تربطني به سوى الزمالة الماضية؛ فألقيت عليه التحية فلم يرد رغم أنه يشاهدني عن قرب, فتذاكرت معه قصصاً مشابهة لافتة بهذا المعنى.
* فمن ذلكم موقف أُكرر روايته بأن كنت برفقة زملاء بمهمة إعلامية ببلد أوروبي؛ وكان يحدث أن يُلقي بعض المارة من أهل البلد أو بالمحلات والمقاهي التحية علينا، فأحدنا كان يتعجب من لطفهم ويُثني على أخلاقهم، وأثناء العودة وبالمطار قابلنا أحد المواطنين السعوديين فبادرنا هو بالسلام والتحية؛ وحين ابتعد قال صاحبنا الذي كان يُبدي إعجابه (بالخواجات): متى المعرفة حتى يسلم علينا؟
* كانت المعايير والمقاييس لدى صاحبنا معكوسة مقلوبة لم يدرك معنى (السلام عليكم) ولا أهمية المبادرة بالتحية، ولا قيمة التَّلطُّف مع خلق الله مهما كان جنسهم أو نوعهم، وأذكر أن مديراً إقليمياً لمؤسسة مشهورة بالرياض ذو قيمة وشأن داخل المؤسسة؛ وكان يهم بالدخول للمقر؛ فألقى عليه أحد رجال الحراسات الأمنية التحية لكنه لم يسمعه للوهلة الأولى، وما إن مشى خطوات حتى عاد إليه فسأله: هل كنت تكلمني؟ فقال: مجرد تحية الصباح, فرد عليه بعبارات لطيفة مُفعمة بالحب والتقدير؛ واعتذر منه بحرارة، هذا الموقف لم يكن تمثيلياً؛ لمعرفة جميع الموظفين بسمو أخلاقه وعدله مع الجميع، فكانت بلسماً لنفوس كل من حوله، رحمه الله.
* السلام عليكم: هي ممَّا علَّمه الخالق سبحانه لأبينا آدم عليه السلام حين أمره بأن يتوجّه بالسلام على عدد من الملائكة، فردوا عليه بأفضل منها بأن زادوا (وعليكم السلام ورحمة الله)؛ فكانت تحيته وتحية البشر من بعده وتحيتهم حين يلقون ربهم سبحانه كما بالآية 44 من سورة الأحزاب {تَحِيَّتُهُمْ يَوْمَ يَلْقَوْنَهُ سَلَامٌ وَأَعَدَّ لَهُمْ أَجْرًا كَرِيمًا} ففيها للمرء الكثير من خير الدنيا والآخرة.
* فمن مقومات وأسس تحقيق صلاح المجتمع وزرع بذور الود والتآلف بين فئات المجتمع إفشاء السلام والمبادرة به، وحريٌّ بنا أن نهتم بهذا الشأن وبمقاصد السلام وما تعنيه تحية الإسلام بيننا وبين من نعرفهم أو غيرهم فهو رابط بين الجميع وتطيب به الأنفس وتقترب به القلوب وتتبدد به الضغائن والشحناء إلى حد كبير.
* ويبدو أن الحاجة لإفشاء السلام والمبادرة به على الوجه الإسلامي الشرعي كما وردت به النصوص هي أكثر مما مضى ولحاجة المجتمعات الآن لمزيد من الوئام والسلام واستشعار أهميته في ظل الظروف المُعاشة من توترات ومناوشات بين فريق وآخر بأنحاء المعمورة، فالإسلام كان وما زال هو المنادي بالسلام العالمي.