خالد محمد الدوس
يعود مفهوم (القوة الناعمة) للمرة الأولى في مقال نشر عام 1990 إلى أستاذ العلوم السياسية بجامعة هارفارد الأمريكية (جوزيف ناي) الذي قام بتطويره وتأصيله في كتابه الشهير: (القوة الناعمة) عام 2004 وقد عرّف -الخبير السياسي- مفهوم القوة الناعمة بأنه سلاح مؤثر يسعى إلى تحقيق الأهداف عن طريق الجاذبية بدلاً من الأرقام أو دفع الأموال.. إنها في جوهرها قدرة المجتمع على التأثير في مجتمعات أخرى وتوجيه خياراتها العامة وذلك استنادا إلى جاذبية نظامها الاجتماعي والثقافي ومنظومة قيمها ومؤسساتها بدلاً من الاعتماد على لغة الإكراه أو التهديد أو ممارسة الحصار الاقتصادي.. وهذه الجاذبية يمكن نشرها بطرق شتى ومنها الثقافة الشعبية، الدبلوماسية الخاصة والعامة، المنظمات الدولية غير الربحية، مؤسسات المجتمع المدني، مجمل الشركات والمؤسسات التجارية العاملة، كما عرفها علم الاجتماع السياسي: بأنها القدرة الميكانيكية على التأثير في سلوك الآخرين (أفراداً أو مؤسسات أو مجتمعات) للحصول على النتائج المرجوة والأهداف المنشودة، بدون الاضطرار إلى الاستعمال المفرط للوسائل والعوامل العسكرية والقوة الصلبة التي ما زال لها تأثير قوي وفعال على الساحة الدولية في الحياة المعاصرة.
والأكيد إن نجاح استخدام القوة الناعمة أو الذكية يعتمد اعتمادا كبيرا على سمعة الفاعل داخل المجتمع الدولي، فضلا عن تدفق المعلومات بين الفاعلين الدوليين وهكذا ترتبط القوة الناعمة بزيادة العولمة الجديدة ونظرية العلاقات الدولية، وتبعا لذلك نجد أن للقوة الناعمة أنماطا ذكية وبالتالي يبرز استخدامها وتتعدد أشكالها في العلاقات الدولية: ومنها القوة الاقتصادية والقوة الثقافية، والدبلوماسية الرياضية كقوة ناعمة.. الخ.
وبالطبع فإن الدبلوماسية الرياضية كالثقافة والفنون تتجاوز كل الخلافات والاختلافات ولذلك هي (قوة ناعمة) مهمة وسلاح ذكي لدى كثير من المجتمعات، فمن خلال الرياضة نجحت كثير من الدول في تقديم صورة إيجابية عن نفسها، خاصة كرة القدم الساحرة التي تحولت إلى أهم (منصات) التعريف بالدول في العالم في ظل الرياضة العولمية، بل وتحقيق التأثير العالمي في المشاركات الدولية القارية والعالمية. كون اللعبة الأولى (كرة القدم) تأسر قلوب الشعوب، وتستحوذ على العقول والتأثير في العواطف.. وبالتالي يكتسب في منافساتها صناعة الحدث الكروي الذي يأخذ أبعاداً أكثر من الأبعاد الرياضية كما رأينا الساحرة المستديرة في مونديال قطر 2022 وتحديداً في مباراة المنتخب السعودي مع الأرجنتين - بطل العالم في النسخة الأخيرة - الذي تلقى أول خسارة مفاجئة من الأخضر في مشواره الافتتاحي في كأس العالم بقيادة نجمه الشهير ميسي..!! ساعتها تحدث الإعلام العالمي عن الانتصار السعودي بامتياز، وبالتالي ساهم ذلك في إبراز صورة وهوية المملكة، وبناء سمعة رياضية على الصعيد العالمي.. وهو الحدث الأهم والأكبر تظاهيرياً الذي يتابعه مليارات الأشخاص عبر أنحاء العالم.
وامتدادا لتأثير الدبلوماسية الرياضية السعودية بقوتها الذكية التي أصبحت جزءاً لا يتجزأ من نموذج (القوة الناعمة) الأوسع نطاقا على المستوى الدولي.. نال سفير الكرة السعودية وممثل الوطن الكبير (الهلال) المركز الثاني في مونديال كأس العالم للأندية بعد خسارته المشرفة في النهائي الكبير أمام النادي الملكي (ريال مدريد) الإسباني بخمسة أهداف لثلاثة، ورغم النقص في صفوفه بداعي الاصابات ومنعه من التسجيل للإيقاف خلال مشاركته في المحفل العالمي إلا أن- وصيف المونديال- استطاع أن يهزم بطل إفريقيا (الوداد المغربي)، ثم الفوز على بطل أمريكا الجنوبية (فلامنجو البرازيلي) ليصل إلى المباراة النهائية على كأس العالم للأندية ويقابل بطل أوروبا (النادي الملكي) وخسر اللقب بفارق هدفين ليتوج الزعيم العالمي بفضية كأس العالم للأندية بعد المستوى الرائع والحضور المشرف في إنجاز تاريخي غير مسبوق للرياضة الوطنية.. مؤكدا أن الطموح ليس له سقف..! والسير نحو صناعة المجد ومعانقته ليس (مستحيلا) مهما كانت الصعوبات والعقبات في مسيرة (الأزرق) الذي يعشق روح التحدي والتغلب على الظروف وإرهاصاتها..!!
ولا مناص أن حصول الهلال على «فضية كأس العالم للأندية «يمثل أحد أهم مصادر القوة الناعمة للرياضة السعودية بجانب مصادر أخرى للقوة الذكية.. وهو يقدم صورة ذهنية نموذجية تجّسد النجاحات الكروية لرياضة الوطن على الصعيد العالمي. وهو ما يواكب رؤية مملكتنا الغالية الطموحة (2030) في مجال الرياضة الذي يعتبر واحدا من المجالات المستهدفة لتحقيق التميز قاريا وعالميا.