هذا البلد الأمين الذي أقسم الله ببعضه وهاجر المصطفى الحبيب عليه الصلاة والسلام إلى بعضه، أرض ولد فيها النبي وخيرة أصحابه وجاسوا خلالها ومنها يفتحون المدائن والبلدات ويخرجون الناس من ظلم العباد إلى رحمة وتوحيد رب العباد. الأرض التي ظلت طاهرة من رجس الاستعمار ويقصدها الأخيار من كل الأمصار وتهوي إليها الأفئدة من الناس يحملون كل أمانيهم طلباً لتحقيقها وينسلخون من كل أوزارهم توبة فيها. لا تجد أرضاً أخرى يُجمع أهل الإسلام على تمني زيارتها ومجاورة ساكنها كما السعودية، زيارتها ولو مرة واحدة في العمر لأجل إتمام أداء أركان الإسلام تجعل من هذه الزيارة حلماً ولا أجمل وأمنية تفوق كل الأماني منحها الله دعوة إبراهيم عليه السلام وأكمل نعمته عليها بدعوة المصطفى صلى الله عليه وسلم، بسط أمنه فيها وأجزل نعمه على أهلها انظروا كم عدد الوافدين إليها للعمل ذكوراً وإناثاً من كل الجنسيات ثم تأملوا أن أهلها في عصرنا لم يضطروا بفضل الله لمغادرتها لعمل مماثل إلا بتكليف رسمي لتمثيلها، فيها تقام حدود الله وفيها يحكم بشرعه، توحيد الله وحد كلمة أهلها وحافظ على أصالة طباعهم وثبت جسور التعاون فيما بينهم، منحها الله الصدارة في مخزون طاقة العصر فامتدت يد العطاء منها إلى كل مكان وجمع لقيادتها الحكمة والشهامة فاشرأبت لها أعناق أخواتها عند كل مظلمة تقع عليهم أو تهديد ينازعهم أمنهم فكانت النصرة في كل مظلمة داهمة وكان البذل عند كل أزمة خانقة وكان الرأي الحكيم عند كل خلاف يعمي وكان الحزم عند كل تجاوز يطغى تدور من حولها رحى الأزمات تطحن أواصر الاستقرار وتتراكم سحب العبثية في أجواء غيرها تمطرهم الأسى فإذا أقبلت عليها تحولت إلى ظل ظليل يجمع أهلها ويشعرهم بمزيد منّة الله عليهم فيعرفون قيمة التلاحم فيما بينهم وبين من ولاَّه الله أمرهم فيحفظون مواثيقهم فيلهجون بحمد الله ويجددون بيعتهم ويسألون الله أن يديم عليهم هذا الأمن الوارف والرخاء المتنامي وحق لأي منهم أن يقول هذا وطني فكيف لا أحبه وكيف لا أفخر به.
لاشك أن كل إنسان يحب وطنه تسعده إنجازاته وتحزنه أزماته لكننا هنا نفخر بانفرادنا أن كل من أحب وطنه الإسلامي عدَّ وطننا وطنه الثاني ولست أبالغ حين أقول إن الكثيرين ربما رغبوا العيش في وطني واكتفوا بزيارات للواجب لأوطانهم وكم رأيت من يغضب حين يفتعل أهل وطنه مشكلة مع وطننا لقناعته أن من يتهافت من مواطنيه لإذكاء الخلاف لا يعون قدر الأذى الذي يسببونه لبني جلدتهم بحملهم لواء الاختلاف مع السعودية وهم يعلمون في واقع الأمر أن هذا البلد المعطاء خير من يسند في الأزمات ويُشرع أبواب الفرص والمنح ولا يعجل قادته عند مساسه بزلل بل يعجلون بالصفح عند الاعتذار وكأن شيئاً لم يكن كما أنهم يرون أن من اشرأبت أعناقهم أملاً بوقوع هذا الوطن في براثن الأزمات الدولية والرضوخ لسياسات معادية قد عادت خائبة ظنونهم وقد فجعوا بثبات هذا الكيان على مبادئه وخضوع من عاداه لوجهة النظر السعودية ورغم هذا يكون توجيه القيادة بتجاوز الموقف دون هالة إعلامية في حين تجري الأقلام المخالفة لتدوين نصر مزعوم يرضي غرور أتباعهم ويخفي تحته ما نال قادتهم من خسارة متتالية في مواجهاتهم الدبلوماسية مع السعودية, ولذا فلا غرابة أن نرى الهدوء في التعامل مع كل أزمة مفتعلة تستجد وهكذا يفعل القائد القوي الأمين في تعامله الشهم في تسامحه. حفظ الله وطني وأدام عزه وحقق على أيدي قادته مزيداً من الإنجازات والنصر في الصراعات وأدام علينا الإيمان والأمان.