د.إبراهيم بن عبدالله المطرف
أعاد إلى الذاكرة مشهد لقاء الرئيس الأمريكي جو بايدن بقادة مجلس التعاون في جدة صيف 2022، مشهداً مماثلاً للقاء للرئيس الأمريكي الأسبق دونالد ترامب بزعماء مجلس التعاون في العاصمة السعودية الرياض أيضًا في أبريل 2016، كما أعاد المشهد نفسه إلى الذاكرة «الخليجية» لقاء أبريل 2015، الذي جمع بين القادة والزعماء الخليجيين والرئيس الأمريكي أوباما، مستدعياً في الوقت نفسه حضوراً «جماعياً» يطرح نفسه على أكثر من مستوى، خاصة فيما يتعلّقُ بإمكانات تشكيل «لوبي لمجلس التعاون» في المستقبل المنظور، لوبي تفرضه ضرورات تأريخية، ومتغيّرات جيوسياسية، وتحديات إقليمية ودولية.
ولعله من المهم في هذا الإطار، التأكيد على أن العمل من خلال «كيانات» كبرى، أصبح يشكِّل منطقَ العصر، وأمامنا من التجارب الدولية والإقليمية في العالم ما يؤكّدُ لنا أهمية، بل وضرورة العمل الخليجي من منطلق أوسع.
ومن أبرز التكتّلات الدولية والإقليمية على سبيل المثال، مجموعة «نافتا» التي تضم دول أمريكا الشمالية، ومجموعة «ايفتا» التي تضم دول الاتحاد الأوروبي، ومجموعة «الآسيان» التي تضم دول جنوب وشرق آسيا، إضافة إلى تكتلات إفريقية منها على سبيل المثال، مجموعة «كوميسا» التي تضم دول شرق وجنوب إفريقيا، ومجموعة دول «بريكس» التي تضم الدول صاحبة أسرع نمو اقتصادي في العالم، وهي البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب إفريقيا.
وتأتي أهمية «الاقتصاد» من منطلق أنه «مُحَرّك» للدول والحكومات، يمثِّل تجسيداً حيّاً ودائمًا لمصالحها، ويعبر عن أولوياتها واحتياجاتها. وقد يكون مهماً أيضاً أن نشيرَ إلى الأُطُر والهيئات الاقتصادية التي أنشأها مجلس التعاون لدول الخليج العربية، أو للدقة، تلك التي أنشأتها الأمانة العامة، إدراكاً لمنطق اللحظة الدولية.
ولأهمية وضرورة العمل الخليجي الموحَّد على الصعيد الدولي والإقليمي، لا بد أن نشير إلى «الدعوة» السعودية لبناء «مظلة» خليجية أكبر وأوسع وأشمل، تضم دول المجلس الست وتوحّد عملها، قادة وحكومات ومؤسسات حكومية وأهلية. فقد دعت المملكة إلى «تجاوز» مرحلة التعاون نحو مرحلة «الاتحاد» وهي دعوة تمثِّل «عبوراً» تاريخياً لشعوب وحكومات ودول المنطقة، و»مدخلاً» إلى العصر الذي لم يعد يعترف بغير التكتلات الكبرى، حيث لا مكان فيه ولا وجود للقوى الضعيفة.
وقد عكست تلك الدعوة التاريخية، الإدراكَ السعودي لأهمية الدخول بقوة وفعالية وجدية إلى العصر، اقتحاماً لقضاياه وتحدياته، ووفاء باستحقاقات النمو والتقدم والنهضة الحضارية التي تستهدفها شعوب وحكومات ودول مجلس التعاون لدول الخليج العربية.
وقد مثَّلت دعوة المملكة لبناء «الاتحاد الخليجي» تجسيداً لإرادة شعوب دول المجلس ورغبتها في امتلاك عناصر القوة الشاملة، وتجسيدها في إطار سياسي جامع وشامل، يعكس حضور شعوب ودول مجلس التعاون «كقوة» بارزة في محيطها الإقليمي، «وتكتل» مهم على الصعيد الدولي، خاصة مع بروز المجلس كقوة اقتصادية إقليمية ودولية فاعلة، وبعد أن نجح المجلس نجاحاً كبيراً في إقامة العديد من متطلبات «بنيوية» توفر شروطاً «موضوعية» لقيام «الاتحاد».
لقد سارت دول المجلس بخطى واثقة نحو تنفيذ الاتفاقية الاقتصادية الموحّدة، التي اعتمدها قادة دول المجلس في قمتهم الثانية في الرياض عام 1981، والتي شكَّلت الإطار التنظيمي لتطبيق التكامل الاقتصادي، كما مثَّلت البرنامج الواسع للعمل المشترك خلال عقدي الثمانينيات والتسعينيات من القرن الماضي. وقد حققت دول المجلس على أرضية تلك الاتفاقية الكثير من أسس وأهداف السوق المشتركة، التي كان من أبرز نتائجها تعزيز التبادل التجاري، ما أدى إلى تزايد معدلات التجارة البينية بين دول المجلس، وإقامة بنى ومؤسسات اقتصادية شكّلت «نواة للعمل الاتحادي».
ويمكن القول، بأن إطلاق الاتفاقية الاقتصادية الموحّدة قبل أربعين عاماً تقريباً، قد شهد تأسيساً صحيحاً لبناء ركائز وأعمدة الاقتصاد «الاتحادي»، وأن تلك السنوات قد أسهمت في تقوية الاقتصادات الخليجية، وعملت على تعزيز قواعد اقتصاد دول المجلس «العملاق» الذي سيسهم في إطلاق الاتحاد المنشود في مجالاته الحيوية، عربياً، وإقليمياً، وإسلامياً، وعالمياً.
ولا يختلف اثنان على أن إطلاق «الاتحاد» قد يحتاج إلى سنوات من العمل، لا بد أن يسبقها على نحو فاعل ومؤثِّر، وبنوايا صادقة ومخلصة، جهودٌ مماثلة لبناء «لوبي خليجي» يمكنُ أن يكونَ «رافعة سياسية» لأداء «الاتحاد الخليجي» عند إطلاقه «رسميا».
ويمكن معه القول، بأن دول مجلس التعاون قد تكونُ أكثرَ قدرة على تحقيق وإنجاز مهام العمل الاتحادي، وأن الشروط الموضوعية لإنشاء هذا الاتحاد، قد باتت مع رؤية خليجية أوسع لضرورة إنشاء «اللوبي الخليجي» أكثر وضوحاً، وبروزاً وتجذراً في دول المجلس من هنا، يمكنُ القولُ بأن العمل الخليجي في إطار «موَحّد» لا يعاني نقصاً أو ضعفاً، بل إنه أثبتَ في الكثير من الأحوال، وفي كثير من الأحوال والحالات نجاحاً كبيراً، يحتاجُ إلى «استكماله» و»استمراره» و»الإضافة إليه»، بل و»البناء عليه» .ويحتاجُ البناء عليه، إلى تبني «رؤية» تضعه إستراتيجياً على النهج الدولي، و»إرادة» تدعمه تعبيرًا عن حاجة دول مجلس التعاون إلى فعل مؤثِّر عالميًا، «إرادة» تترجم قدراته وقوته الاقتصادية في تجسيد مؤثِّر على مستوى أكثر من قارة وأكثر من تكتّل إقليمي ودولي، «تأثيراً» يتفهّمُ مصالح شعوب دول المجلس وحاجاتها، ورغبتها في التعاون مع دول العالم وتكتّلاته.
ونختم بالقول، بأنه ليس «بالعمل الاقتصادي وحده» تستطيعُ دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية أن تؤثّر دولياً، على الرغم من أهميّة الاقتصاد، فهذا الأداء «الاقتصادي» البارز يحتاجُ إلى قوة «تسنده» و»تسانده»، «تدعمه» و»تفعله».
ويجزم الكاتب بأنه لا يمكنُ أن يكون هناك، ما هو أكثرَ قدرةً ونجاحًا، من عمل جماعي موحَّد، مثل «لوبي» دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية «المنتظر».