عبده الأسمري
ما بين «ميادين» الفراسة و»مضامين» الحراسة ظل «الحارس» الأمين و»الفارس» المكين في صفوف «السرايا» وطوابير «الكتائب ومن أعماق «الصدقات» إلى آفاق «الوقفات» كان «المحسن» الخفي و»الباذل» الوفي في متون «الإحسان» وشؤون «الحسنى»..
أقام صروح «الذكر» في قلوب «المكلومين» وبنى بوح «الشكر» في دعوات «المتألمين» فكان «الناتج» الفعلي لمعادلة «الأثر» والعدد «الصحيح لمتراجحة «التأثير».
إنه قائد الحرس الملكي الأسبق الفريق أول عبدالله بن راشد البصيلي رحمه الله أحد أبرز القادة العسكريين ورجال العطاء ورموز السخاء.
بوجه «قصيمي» الملامح تسكنه صفات «العطف» وتملؤه سمات «اللطف» وتقاسيم باهية التواجد زاهية الحضور تتشابه مع أسرته «الشهيرة» بالتفاني وعينان تدمعان حين «الرحمة» وتلمعان حيث «الحكمة» وشخصية ودودة لينة الجانب لطيفة التعامل صافية القلب ومحيا قويم وبزة عسكرية مكتظة بنياشين «الدورات» وأوسمة «المناورات» يعلوها «تاج» الكفاءة و»سيفان» يوظفان الجدارة و»نجمتان» تعكسان المهارة مع «هيبة» قيادية قوامها «الخبرة» ومقامها «السيرة» وصوت نجدي مشفوع بعبارات «الرضا» ومسجوع باعتبارات «الكرم» ومفردات مهيبة تعكس روح الأداء العسكري وبوح العطاء الوطني وكاريزما تتقاطر أدباً وتهذيباً تستند على حنكة إدارية وحكمة إنسانية قضى البصيلي من عمره عقوداً وهو يرسم خطط العمل في الحرس الملكي ويؤصل المعاني في الفعل الإنساني ويرسم ملامح «المحاسن» على خارطة الاقتداء ويبقى مآثر «الفضل» في واجهة الاحتذاء ويمنح للأجيال «تذاكر» العبور إلى عوالم «العصامية» عسكرياً فريداً ووطنياً مخلصاً ومحسناً منفرداً ترك سيرته «ناطقة» في قوائم «الكبار» وأبقى مسيرته «سامقة» في مقامات «الاعتبار».
في البكيرية منبع الوجهاء والفضلاء الباذخة بزف رجال الدولة إلى أعراس المسؤولية ولد عام 1922 في يوم ربيعي ملأ حقول بلدته الخضراء بأكاليل الفرح ومواويل البهجة وتفتحت عيناه على دار أسرته العامرة بالضيافة والرفادة وظل ينهل من أبيه موجبات الجد ومن والدته عزائم الود مولياً قبلة إنصاته إلى «أعمام» كرام كانوا نبعاً «للحنان» وظل يرافق والده في زياراته مقتبساً من أقواله واجبات «الوفاء» ومن أفعاله مواجيب «الاستيفاء» وظل يرتمي في حضن والدته كل مساء ناهلاً منها عطايا العطف وهدايا الدعاء.
ركض البصيلي طفلاً مع إخوانه وأقرانه في البيت الطيني الكبير الشهير وسط البلدة والذي كان مكتظاً بعائلة كبيرة تتكون من 25 فرداً من الإخوة والأعمام وزوجاتهم وأبنائهم.. وظل رهيناً لأسئلة باكرة غمرت وجدانه الغض بضرورة الخروج من «نصوص» الروتين القروي وأصبح يراقب «العوز» الذي ملأ أرجاء بلدته وصال في أرجاء القرى باحثاً عن إجابات كانت مختزلة في أوجاع مرسومة على وجوه العابرين ومواجع موسومة في ملامح السائرين.
التحق بكتاتيب دينية على يد مطوع القرية عبدالرحمن السالم تعلم منها قصار السور ومبادئ الشريعة والقراءة والكتابة وسط بروتوكولات متشددة من الثواب والعقاب تنتهي برفع التحية أو فلقة الأقدام.
سمع عن «الرياض» التي كانت حديث العامة وإنها موطن التوظيف ومحضن الغرباء الحالمين بالرزق.
قرر البصيلي السفر في يوم صيفي انحفر في ذاكرته وحزم أمتعته البسيطة في «بقشة» من القماش وانتظر في موقف سائقي الشاحنات ودفع لأحدهم مبلغ ريال ونصف على أن يجلس في صندوق الشاحنة بجوار حمولة من الحطب وكابد الصعاب في رحلة استغرقت 30 ساعة.
وصل إلى العاصمة وانرسمت في ذهنه مناظر جديدة للشوارع والبضائع وخرائط مختلفة من الوجوه والهندام.
أطلق ساقيه للمشي وسأل أصحاب الدكاكين والمتاجر والحرف عن وظيفة أو سكن ولم ينَلْ حظه ثم ذهب لأخيه محمد الذي كان يعمل حارساً في قصر المصمك كي يعينه في وظيفة تسد رمقه وتحدد مسار مستقبله وكان الخيار نحو السلك العسكري حيث توجه إلى مقر الحرس الملكي وتم إلحاقه بدورة تدريبية مكثفة ابتداءً من اليوم التالي.
وتم منحه رتبة عريف بدلاً من جندي لأنه يجيد القراءة والكتابة وعمل فترة في الميادين وفي الأربعينيات تم تكليفه بالذهاب إلى مدينة الخرج كقائد سرية، ثم انتقل لمهمة مماثلة إلى الطائف، ثم تعين مديراً لأمن المطار التابع لقيادته وبعد عامين صدر أمر بترفيعه إلى رتبة «ملازم ثاني». ثم تم تعيينه في نهاية الأربعينيات بالديوان الملكي للملك عبدالعزيز، حيث تدرج في وظائف مختلفة، والتحق بعدد من الدورات عسكرية في الداخل والخارج ودورة متخصصة تعادل دورات كلية القيادة والأركان حالياً.
عندما أعيد تشكيل جهاز الحرس الملكي في عهد الملك فيصل تم ترشيحه لرئاسة الجانب السعودي في اللجنة العسكرية المكلفة بإنهاء الحرب في اليمن بين القوات المصرية المساندة للجمهوريين وخصومهم الملكيين وأمضى هنالك 6 أشهر وبعد عودته تمّ ترفيعه إلى رتبة «مقدم» وطلب الأمير سلطان رحمه الله وزير الدفاع والطيران آنذاك من الأمير فيصل ترشيح البصيلي لقيادة الحرس وتمت الموافقة عام 1966 على ترفيعه إلى رتبة «عميد» وتعيينه قائداً جديداً للحرس الملكي وواصل البصيلي عمله قائداً للحرس الملكي في عهد الملك خالد، ثم الملك فهد رحمهما الله، وفي عام 1987 أحيل إلى التقاعد، وعيّن مستشاراً بالديوان الملكي برتبة وزير، حتى عام 1419 حيث تقاعد ثم تفرغ للأعمال الخيرية المتنوعة.
رافق البصيلي الملوك في رحلاتهم الخارجية، حيث كان في وفد الملك عبدالعزيز حينما توجه إلى مصر في رحلة علاجية في الأربعينيات وكان حاضراً لاجتماعاته مع الملك فاروق الأول والرئيس الأمريكي فرانكلين روزفلت ورئيس الحكومة البريطانية ونستون تشرتشل. كما كان من ضمن الضباط الذين رافقوا الملك سعود إلى الولايات المتحدة عام 1957، ورافق الملوك فيصل وخالد وفهد في جميع رحلاتهم. وتم تكريمه في عدة محافل على الجانب المهني والخيري.
انتقل البصيلي إلى رحمة الله تعالى في شهر يوليو عام 2011 عن عمر ناهز التسعين عاماً إثر مرض بالكلى لازمه طويلاً ونعته أوساط الوطن ومنابر المسؤولية ووسائط الخير وبكته القلوب وارتفعت الأكف له بالدعاء لتلك النفس التقية والشخصية النقية صاحبة الكفوف البيضاء التي ساعدت المرضى وجبرت الخواطر وساندت المحتاجين وأعانت الفقراء.
يعد البصيلي كياناً خيرياً في صورة رجل واحد حيث أنفق من ماله الخاص في مشاريع الخير وأعمال البر لترسيخ مفهوم التكافل الاجتماعي حيث قام بتوسعة مركز التأهيل الشامل (القسم النسائي) في محافظة البكيرية وأنشأ عدداً من المراكز للتأهيل الشامل بالمملكة بالبكيرية وشقراء، وحائل، وأبها، ومركز معهد التربية الفكرية في بريدة كما أنشأ البصيلي عدداً من مراكز غسيل الكلى في عدة مستشفيات كمركز لغسيل الكلى في البكيرية، ومركز لغسيل الكلى في مستشفى الشعبين في عسير، ومركز لغسيل الكلى في مستشفى الملك فهد بالحرس الوطني، ومركز لغسيل الكلى في مستشفى الملك خالد في تبوك. وبنى عدداً من المساجد بالدول العربية والإسلامية بلغت (322) مسجداً، كما بنى أكثر من (52) داراً للأيتام. والعديد من المشاريع الخيرية وغيرها ممن كان في طي «الخبيئة» بينه وبين خالقه.
الفريق أول عبدالله البصيلي الجنرال الباذل والمحسن الفريد الذي صنع الفارق في متون المهنية ووظف الفرق في شؤون الإنسانية.