د.عبدالله بن موسى الطاير
منذ العام 1948م ونحن نشتم اليهود بأنهم صهاينة، وإذا رغبت في شتم شخص ما، في أي ديانة أو عرق، تقول له يا صهيوني، ولذلك يقال العرب المتصهينون، والمسيحيون المتصهينون، والمسلمون المتصهينون، وربما تطورت دلالة هذه المفردة إلى المديح في بعض المجتمعات العربية، فينعتون شخصاً أنه صهيوني تقديراً لعمل خارق قام به. الإعلام القومي العروبي وجد في الصهيونية شتيمة لاذعة، فأسرف في إطلاقها على إسرائيل، على اعتبار أنها اللفظ الذي يتأذى منه اليهود عموماً والذين هم في دولة الاحتلال خاصة. لا أستطيع تطبيق نظرية التغير الدلالي على استخدامهم للمفردة، ولا أزعم أن الدافع لذلك كان من باب تقبيح الحسن، وإنما أظن أن الجهل لعب دوراً محورياً في تفسير الماء بعد الجهد بالماء.
الصهيونية -في أساسها- حركة تحرر هدفت إلى تجميع اليهود من الشتات وإرسالهم إلى دولة على أرضهم «الموعودة» كما يزعمون، بعد أن فشلت محاولات الاندماج في المجتمعات الأوروبية، ولذلك فالصهيونية تمثل للسواد الأعظم من اليهود مصدر اعتزاز كما هي للبعض الآخر حركة عنصرية لا يليق الانتماء إليها.
في القرنين السادس عشر والسابع عشر، الميلاديين جرت عدة محاولات لإقناع اليهود «بالعودة» إلى فلسطين، غير أن حركة «هسكاله» أو «التنوير اليهودي»، الرائجة في أواخر القرن الثامن عشر حثت اليهود على الاندماج في الثقافة الغربية العلمانية وعدم الإصغاء إلى دعوات العودة. أخفق اليهود في الاندماج في أوروبا الشرقية، وكرد فعل على المذابح القيصرية، شكل من يسمون أنفسهم «عشاق صهيون» توجهاً يدفع بتوطين المزارعين والحرفيين اليهود في فلسطين، ليكون ذلك بديلاً لليهود عن المجتمعات الليبرالية العلمانية الأوروبية.
اليهود الذين يعيشون في أوروبا اليوم يميزون أنفسهم بشكل فارق عن المجتمعات التي يعيشون فيها، فهم يظهرون ما يشير إلى انتمائهم لليهودية، ولا يحتفلون بالكريسماس ولا برأس السنة الميلادية وإنما يدينون بالولاء داخل مجتمعاتهم لأعيادهم الدينية ورأس السنة اليهودية.
بسبب حدة الاستقطاب بين الاتحاد السوفيتي وأمريكا أصدرت الجمعية العامة للأمم المتحدة عام 1975 القرار رقم 3379 الذي أعلن أن «الصهيونية شكل من أشكال العنصرية والتمييز العنصري»، وهو القرار الذي اقترحه الروس ودعمته الدول العربية والإسلامية بقوة.
والصهاينة المخلصون للمبدأ يرون أن الصهيونية لا تتوافق مع العنصرية - فهي متجذرة في قيم «الحرية والديمقراطية والمساواة والعدالة الاجتماعية». ربما نصدق هذه المثالية عندما كانت الصهيونية فكرة ملهمة، أما بعد قيام دولة الاحتلال الإسرائيلي، فمحال أن تمتاز الصهيونية عن العنصرية حيث أصبحتا وجهين لعملة واحدة.
كتب رون لودر، رئيس المؤتمر اليهودي العالمي في صحيفة نيويورك تايمز (13 أغسطس 2018): «كانت الحركة الصهيونية ديمقراطية بشكل ثابت منذ بدايتها. كان مكتوباً على علمها الحرية والمساواة وحقوق الإنسان للجميع «، من هذا المنظور، فإن القانون الأساسي لدولة الأمة الإسرائيلي الأخير، الذي يشرعن التفوق اليهودي، هو مجرد انحراف أو تطور مؤسف»، وهو هنا يعني قانون يهودية الدولة. واضح من السياق التاريخي أن الصهيونية في أساسها ليست نقيصة توصم بها إسرائيل وإنما كنا ولا زلنا نشتم إسرائيل أنها إسرائيل، وهي تعتز أنها إسرائيل. فهل فشل العرب في الحروب الخشنة والناعمة ضد إسرائيل والصهيونية؟
إذا كانت الصهيونية في بدايتها حركة خيرية لمساعدة المهمشين، معنية بإيجاد دولة للمشردين اليهود، فإنها بعد احتلالها فلسطين أنتجت «فلسفة قومية شكلت تحدياً مباشراً لكل أولئك الذين ما زالوا يؤمنون بالليبرالية»، وأضاف الفيلسوف اليهودي موريس كوهين عام 1919م بأن الصهاينة طوروا «فلسفة عرقية للتاريخ» تنص على أن «اليهود هم السلالة النقية والمتفوقة»، وبالنسبة لكوهين فإن هذه «المعتقدات خاطئة بشكل جذري ومعادية بشكل عميق للحضارة الليبرالية أو الإنسانية»، مؤكدا على أن «الادعاء بنقاء العرق ... أسطوري تماماً».
سنوات طوال ضيعها الإعلام العربي ولا يزال وهو يشتم الصهاينة بما يحبون، حتى غدت الصهيونية من أكثر الكلمات رواجاً في الإعلام القومي العربي. يبدو أنه حان الوقت للبحث عن شتيمة مناسبة للصهاينة بدلاً من إعادة تداول الصهيونية في ذم هو للمديح أقرب، خاصة وأن الإعلام وجمعات الضغط الصهيونية تقترب من جعل الصهيونية مرادفة للسامية ليكون انتقاد الصهيونية محرماً دولياً كما هو الوضع مع السامية. وأكثر ما يؤذي الصهاينة اليوم هو ربطهم بالعنصرية، فالأخيرة مصطلح رائج في الصكوك الدولية المعنية بحقوق الإنسان.