جانبي فروقة
اختُطف يوليوس قيصر من قبل قراصنة عام 75 قبل الميلاد، وتم طلب فدية 20 فضية (تعادل 600 ألف دولار اليوم)، وطلب يوليوس قيصر من القراصنة أن يزيدوا طلب الفدية إلى 50 فضية لأنه القيصر، مع التوعد بتصفيتهم بعد أن يعود سالماً، حيث سخر القراصنة منه، وفعلاً بعد أن تم دفع الفدية رجع يوليوس لقصره وجهز البحرية وطارد القراصنة واستعاد الخمسين فضية، وأعدمهم جميعاً بدون صلب رأفة بهم. فالقرصنة كمهنة موغلة في التاريخ ولكن اليوم نحن أمام تحدٍّ كبير وهو القرصنة الإلكترونية في عالم رقمي. ففي مايو 2021م، تعرضت شركة كولونيول بايب لاين الأمريكية لهجوم إلكتروني عنيف نتج عنه إغلاق شبكة نقل الوقود بالأنابيب في الولايات المتحدة الأمريكية لأسبوع كامل، مما أدى لنقص حاد في الوقود وارتفاع الأسعار واليوم عالم الاقتصاد الرقمي (الديجيتال Digital) في نمو متزايد، ويترافق معه تصاعد الجرائم الإلكترونية (الهجمات السايبرانية)، وحسب تقرير لشركة ماكنزي يتوقع وصول الأضرار السنوية من الهجمات السايبرانية بحلول عام 2025م إلى 10.5 تريليون دولار، ويمثل هذا الرقم زيادة بنسبة 300 % عن الأضرار الناجمة عام 2015م ولمواجهة هذه الهجمات قامت الشركات والمنظمات في عام 2021م بصرف ما يقرب من 150 مليار دولار على الأمن السايبراني (الإلكتروني)، وهذا القطاع (الأمن السايبراني) (Cybersecurity) بات حالياً ينمو بمعدل 12.4 % سنوياً، ويتوقع أن يصل حجم سوق الأمن السايبراني إلى 1.5 - 2 تريليون دولار.
ومن الحوادث -على سبيل المثال- لا الحصر التي حصلت نتيجة الهجوم السيبراني هو إجبار شركة تصنيع هياكل فولاذية أمريكية متوسطة الحجم، ومقرها تكساس عام 2019م على إعلان الإفلاس بسبب برامج الفدية (Ransomware) بتشفير كل أدواتها وبرامجها المحاسبية والمالية بشكل دائم. وغالبية الهجمات الإلكترونية تحدث في الولايات المتحدة الأمريكية، وعادة توجه أصابع الاتهام لروسيا والصين في هذه الهجمات السيبرانية.
هناك توجس أمريكي كبير من سياسات الصين الأخيرة، حيث إن العلاقات تسير للخلف في ظل التنافس بين القوتين العظميين، فقد اعتبر الكثير من الساسة الأمريكيين أن TikTok تيك توك هو حصان طروادة آخر في محاولة سرقة بيانات ما يزيد على 100 مليون أمريكي، وحتى اليوم 30 ولاية أمريكية قامت بحظر تطبيق التيك توك على أجهزة وأنظمة موظفي الدولة. ومؤخراً صعدت حادثة المنطاد الصيني في الأجواء الأمريكية التوتر بين أمريكا والصين، مما اضطر وزير الخارجية الأمريكي لتأجيل رحلته للصين، ويبدو أن أدوات الحرب الباردة من تجسس بدأت تزيد حدة التحسس والتوجس بين البلدين، وحسب شرح أستاذ علوم هندسة الطيران في جامعة كولورادو الأستاذ إيان بويد لصحيفة الغارديان فإن البالونات (المناطيد) الحالية متقدمة ومجهزة بمعدات تصوير عالية التقنية، وبما أنها تحلق على ارتفاعات منخفضة أكثر من الأقمار الصناعية وبسرعات أقل، فيمكنها من أن تلتقط صوراً أوضح من الأقمار الصناعية. (تم استعمال المناطيد ذات الطاقم خلال الحرب الأهلية الأمريكية بين عامي 1861 و1865، وكما استخدمت فرنسا من قبل ذلك البالونات المأهولة للمراقبة في الحرب الفرنسية النمساوية عام 1859م، واستخدمت بين الحربين العالميتين)
وما زالت قضية رجوع تايوان للبر الصيني هي الشغل الشاغل للرئيس الصيني، حيث إن الصين ما زالت تشعر بالتهديد الأكبر لاستراتيجية «سلسلة الجزر» في صلب العقيدة الخارجية الأمريكية، والتي يعود مفهومها إلى وزير الخارجية جون فوستر دالاس في عام 1951م أثناء الحرب الكورية، والتي تم تطويرها لتطويق الاتحاد السوفيتي والصين عن طريق البحر، وبعد انهيار الاتحاد السوفيتي بقيت الاستراتيجية فعالة ضد الصين (والسلسلة الجزرية تنقسم إلى 3 أجزاء تبدأ الأولى في جزيرة كوريل، وتنتهي نحو بورينو، والجزء الشمالي من الفلبين، والسلسلة الثانية تتشكل من جزيرة أوجواسوارا وجزيرة البركان، وهي أراض أمريكية، والسلسلة الثالثة تبدأ في جزر الوثيان وتوجد في أوقيانوسيا).
تواجه إدارة الرئيس الأمريكي بايدن عاماً جديداً حافلاً بالتحديات حسب تقرير كتبه ريان هاس من معهد بروكينغز، وعليها تحديد موقع الصين بين هذه التحديات العالمية، ومنها الوباء والهجرة الجماعية والركود العالمي، والاحتباس الحراري والحرب الروسية الأوكرانية، ونقص الغذاء والطاقة وتطلعات كوريا الشمالية وإيران النووية، وهل يجب التعامل مع الصين كشريك أو مشكلة؟ في حين يقول ريان أنه يجب ألا تقوم إدارة بايدن بالتنازل عن القضايا الحساسة مثل تايوان والتكنولوجيا وحقوق الإنسان والتنافس الاقتصادي.
لطالما استفادت الصين عبر العقود السابقة من قرصنة براءات الاختراع والتكنولوجيا الغربية، ويبدو أن الصين دائما تطور أجندة «الراية الحمراء» للقرصنة الإلكترونية والتكنولوجية والتجسس على الغرب، وتذكرني أجندتها كثيراً بأسطول الراية الحمراء لأنجح قرصانة عرفها التاريخ وهي الصينية (تشين شي) التي تزوجت القرصان الثري (زانغ بي) وعلى قدر الحنكة التي كانت تتمتع بها، طلبت من زوجها أن يمنحها السلطة والنفوذ داخل منظمة القراصنة التي كان يديرها في إدارة أسطول الراية الحمراء الذي كان يتكون من 200 سفينة، ووصل عدد السفن إلى 80 ألف سفينة في عهد (تشين شي) وحتى بعد أن وافقت (تشين شي) على التفاوض على شروط استسلامها مع الحكومة الصينية، تم العفو عنها والسماح لها بالاحتفاظ بكل ما تملك.
** **
- كاتب مقيم في الولايات المتحدة الأمريكية