عبدالرحمن الحبيب
على عكس التوقعات بسنة ركود اقتصادي، توقع صندوق النقد الدولي نمو الاقتصاد العالمي لعام 2023 بشكل طفيف، بسبب الطلب «المرن بشكل مدهش» في الولايات المتحدة وأوروبا، وتراجع تكاليف الطاقة، وإعادة فتح الاقتصاد الصيني بعد أن تخلت بكين عن قيودها الصارمة بشأن جائحة كورونا.. لكن هذه التوقعات المتفائلة صاحبها تحذيرات من أن العالم قد ينزلق بسهولة إلى الركود؛ إذ قال كبير الخبراء الاقتصاديين في صندوق النقد الدولي، بيير غورينشاس عن توقعات 2023: «علينا أن نكون مستعدين نوعًا ما لتوقع ما هو غير متوقع، لكنه قد يمثل نقطة تحول، مع تراجع النمو إلى أدنى درجاته ثم تراجع التضخم».
توقع ما هو غير متوقع يلغي حصول التوقع فهل تكون التوقعات بلا فائدة؟ كلا، فالتوقع يعتبر الشيء الأكثر احتمالاً أن يحدث في المستقبل، ليساعد في وضع الخطط حول التطورات المحتملة.. بعض التوقعات ممكنة منهجياً حين نعرف العوامل المؤثرة إذا كانت محدودة، مثلاً يمكنك توقع وزنك خلال الأشهر القادمة وفقاً لكمية طعامك ونشاطك الرياضي، كذلك يمكن تقدير العدد التقريبي للسكان مستقبلاً بناء على البيانات الإحصائية. إنما بعض التوقعات تتأثر بعوامل عديدة متشابكة مع مفاجآت مثل سوق المال والاقتصاد بشكل عام، فلا يمكن الاعتماد عليها لأن الأحداث الاقتصادية قد تمتد لسنوات عدة، والعالم يتغير خلال إطار زمني مماثل وتقع فيه أحداث غير متوقعة، مما يبطل صلة الملاحظات السابقة بالحاضر.
هناك أيضاً، طريقة تبطل التوقع، فمثلاً انتشار توقعات معينة مثل أن الركود الاقتصادي سيؤدي إلى تضخم تاريخي، أو أن ظهور جائحة ستودي بحياة ملايين البشر، أو أن ثغرات في الأمن السيبراني للدول سينتج عنها أعطال جسيمة..الخ، هذه التوقعات وإن كانت سليمة في وقتها، فإن عمل إجراءات وتدابير لمواجهتها قد يؤدي إلى تلافيها ومن ثم إبطال التوقع.
المشكلة في استسهال التوقعات لأنها تذهب دون محاسبة إذا فشلت، لكن إذا نجحت فسيحصل صاحب التوقع على شهرة وعرض لأفضل الوظائف، كما سبق أن قال المبرمج المشهور آلن كوكس: «قمت بالكثير من التوقعات، الناس ينسون الخاطئ منها ويعجبون بالباقي». فأنت إن توقعت ارتفاع الأسهم بشكل مضاعف خلال سنة، فسيُحتفل بك لسنوات لو صح توقعك، أما إذا هبط السوق فلا أحد سيذكر.. لا أحد لديه الاستعداد لمتابعة فشل التوقعات!
في دراسة ضخمة عام 2005 أجرها فريق بحث يرأسه بروفيسور علم النفس السياسي فيليب تيتلوك، صدرت بكتاب، راجع فيها 28 ألف توقع سياسي واقتصادي على مدى عشر سنوات، توقعها 284 خبيراً حكومياً وأكاديمياً وإعلاميًا، أظهرت النتائج أن أسوأ التوقعات كانت من الخبراء الذين يظهرون في الإعلام، وأن معدل توقعات الجميع كانت أكثر دقة قليلاً من الحظ، وأسوأ من نظام إحصاءات الكمبيوتر الذي يقوم باستقراء خام. تقول الدراسة إن كثيراً من التوقعات لم يقترب من الحدوث مثل انهيار: كندا، نيجيريا، الصين، إندونيسيا، جنوب إفريقيا. العكس تماماً الصين تقدمت إلى الأمام بينما انهار الاتحاد السوفييتي دون أي توقع من خبير!
ورغم أن الدراسة تضايق كثيراً خبراء التوقعات إلا أنها تفيدهم، فقد بينت أن الخبراء يعتقدون أنهم يعلمون أكثر مما هم يعلمون فعلاً، وأن لديهم معلومات يتعاملون معها كحقائق، بينما هي افتراضات. كما أنهم يضعون عبارات غامضة لتوقعاتهم، مثل: إذا حدث كذا فمن الممكن حصول كذا. فكلمة «ممكن» مطاطة، فضلاً عن «إذا» الشرطية. فإن حصل التوقع احتفل صاحبه وإن لم يحدث قال أنا قلت لكم «إذا» و»ممكن» فيبرر خطأه!
سوق الأسهم له الحظ الأوفر في سوء التوقعات، يقول بروفيسور الاقتصاد بجامعة هارفرد جالبريث: هناك نوعان من أصحاب التوقعات: أولئك الذين لا يعرفون، وأولئك الذين لا يعرفون أنهم لا يعرفون؛ مما أثار عليه حنق الخبراء. وفي السياق ذاته ظهرت دراسة اقتصادية قامت بها مجموعة CXO غطت ستة آلاف توقع لسوق الأسهم من خبراء اقتصاديين لسنوات عدة. وكانت النتيجة أن معدل دقتها كانت 47 % فقط، أي أقل من احتمال قرعة العملة المعدنية: 50 %. تلك فضيحة لا يحب الإعلام نشرها، لأنها تخرِّب الإثارة الإعلامية. يقول المدير المالي بيتر لينش: منذ عشر سنوات، كان هناك 60 ألف موظف اقتصادي بأمريكا وظيفتهم توقع معدلات الكساد والأرباح، فلو نجحوا مرتين متتاليتين لأصبحوا الآن مليونيرات. ثمة طرفة أمريكية تقول: «لماذا وضعت توقعات سوق الأسهم؟ لكي تبدو توقعات الطقس جيدة».
إذن، كيف نتعامل مع توقعات الخبراء؟ لا يبدو أن ثمة إجابة شافية، لكن على الأقل سأطرح مما استخلصته من آراء خبراء التنفيذ وليس التوقع. بداية اسأل نفسك: ما هو موقع خبير التوقع: نجم إعلامي، أكاديمي، حكومي؟ الأول معتاد على الإثارة، الثاني صاحب نظريات علمية، الثالث حذِر.. الدراسات تقول إن الثاني هو أقل المخطئين بينما الأول أبعدهم عن الصواب. بعد ذلك راجع قدر ما تستطيع (جوجل أمامك) التوقعات السابقة للخبير، هل هي متسقة أم متفاوتة أم متناقضة؟ بالأخير، والأهم راجع ما مدى نجاح توقعاته السابقة، ستُفاجأ أن بعض الخبراء سيحصل على درجة صفر!