د. تنيضب الفايدي
تكتنف مكة المكرمة مجموعة من الجبال، تتشكل من تلك الجبال عدة أودية وتجتمع في وادٍ واحد وهو الذي عناه سيدنا إبراهيم عليه السلام في قوله تعالى {رَّبَّنَا إِنِّي أَسْكَنتُ مِن ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِندَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُواْ الصَّلاَةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِّنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُم مِّنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ} (37) سورة إبراهيم. ومن أشهر تلك الجبال جبل حراء وبه الغار الذي كان يتعبد فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم، ونزلت عليه أول سورة من القرآن الكريم: {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ * خَلَقَ الْإِنسَانَ مِنْ عَلَقٍ * اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ}، ويطلق عليه حالياً جبل النور أو جبل حراء، وهناك جبل ثور ولكلّ من جبل حراء وجبل ثور تاريخٌ مجيد، ولكن الحديث اليوم عن جبل خندمة، وهو أحد جبال مكة يقع في الجهة الشرقية من الحرم المكي، ويشكل جزءاًً من ذاكرة تاريخ البلد الحرام وتتصل به مجموعة من الجبال تتجه جنوباً وتسمّى جبال الخندمة أو الخنادم، وتمتد جنوباً حتى تقترب من جبل ثور، وهي جبال يميل لونها إلى السمرة وفي بعضها جدد بيض، وفي داخلها مجاهل وسلاقيط يصعب التنقل فيها، أما شمالها فيشرف على الأبطح والحجون ولا يكاد يعرف عامة الناس منها إلا هذا الجانب، وهو الجانب المأهول عليه كثيرٌ من أحياء مكة، وجبل الخندمة حالياً امتدت إليه التوسعة الحالية، وكان الكاتب يعتقد بأن اسم جبل خندمة أو الخندمة تسمية حديثة بينما كان معروفاً قديماً ضمن سلسلة جبال تبدأ من شِعب عامر قرب المسجد الحرام وتشرق حيث جبل خندمة المشهور حالياً. انظر: صيد الذاكرة للمؤلف تنيضب الفايدي (ص63)، ويوم فتح مكة قد دخلت قوات المسلمين من جهاتها الأربع في آن واحد، ولم تلق تلك القوات أي مقاومة إلا ما كان من المنطقة التي توجه إليها خالد، فقد تجمع متطرّفو قريش ومنهم صفوان بن أمية وعكرمة بن أبي جهل، وسهيل بن عمرو وغيرهم مع بعض حلفائهم في الخندمة، ولكن سرعان ما قضى المسلمون على تلك القوة الضعيفة، كما تروى قصة لها علاقة بجبل خندمة حيث أعد أحدهم سلاحاً (قيل بأن اسمه حماس بن قيس) فقالت امرأته: ما تصنع بما أرى قال: إن محمداً (صلى الله عليه وسلم) سيغزونا فهذا له ولأصحابه. فقالت: ما أرى أنه يقوم لمحمد وأصحابه شيء. فقال والله إني لأرجو أن أخدمك منهم خادماً،ثم شهد هذا الشاعر يوم الفتح الخندمةَ مع أناس جمعهم صفوان بن أمية وسهيل بن عمرو، فهزمهم خالد بن الوليد، فمر منهزماً حتى دخل بيته، وقال لامرأته: هل من مَخَشّ (كلمة مخش قديمة بمعنى مدخل أو مخبأ)؟ فقالت: أين الخادم؟ قال:
إنك لو شهدت يوم الخندمة
إذ فر صفوان وفر عكرمة
وأبو يزيد قائم كالمؤتمة
واستقبلتهم بالسيوف المسلمة
يقطعن كل ساعد وجمجُمة
ضرباً فلا تسمع إلا غمغمة
لهم نهيت خلفنا وهمهمة
لم تنطقي باللوم أدنى كلمة
ومعروف أن جيوش الفتح أحاطت بمكة من ثلاث جهات: أذاخر حيث دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكداء بالفتح حيث دخل الزبير وكتائب من الأنصار، وكُدَي حيث دخل خالد بن الوليد فاجتمعت في المسجد الحرام. ولابدّ من تذكير أبنائنا وبناتنا بأسماء جبال مكة وما يرتبط بها من السيرة النبوية العطرة وما يوجد بتلك الجبال من كهوف وغيرها مثل غار حراء وعلاقته بالوحي وغار ثور وعلاقته بهجرة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأن يكون ذلك حياً وباستمرار لارتباط تلك الجبال بالقرآن الكريم وبالسيرة النبوية. مراجع الصور: 100 جوهرة أدبية، وبعض المواقع: مثل: مكة، المدينة، البوابة الرقمية واليوم السابع.