د. هيا بنت عبدالرحمن السمهري
فاز الشعر العربي في بلادنا بعام مجيد 2023م عندما صدرتْ موافقة مجلس الوزراء على ذلك فاتشح جمالاً؛ تنسجه هندسة الكلمة ومعمارها، وتهيأت القوافي لتتزين في عامها السعودي القشيب حيث تتوق للاندماج في حضارة بلادنا الجديدة.
«إنه الشعر للحياة ومنها
ضاحكا تارة وطورا فصاخب»
وقد عرَّف الشعرَ كثيرون؛ وابن خلدون يقول «الشعرُ هو الكلام البليغ المبني على الاستعارة والأوصاف، المفصّل بأجزاء متفقة في الوزن والروي، مستقل كل جزء منها في غرضه ومقصده عما قبله وبعده، الجاري على أساليب العرب المخصوصة به».
وفي عام الشعر العربي نسأل الله أن لا يوجد بيننا شاعر يتبعه الغاوون», وأن يُستنبتُ في عام الشعر شعرٌ ينظر له الأعمى، ويسمعه الأصم وتُشْهِرُ له الجنُّ معازفها في وادي عبقر, وأن تُنسج لشعرائنا بردة ابن زهير التي خلعها رسول الله صلى الله عليه وسلم حين «بانت سعاد» في مسرد اعتذاري قشيب.
فمنذ الأزل برَّ الشعر وأبرَّ فكان عصمةً للسان العربي ومأزراً للبيان ومستودعاً للغة القرآن الكريم، روى مآثر العرب ومفاخرهم وأثبت الأصيل من لهجاتهم ونفى الدخيل وروى حكايات النبل والنبلاء فهو عندهم حَكَمٌ ومؤثر فهذا أبو تمام العباسي يقول:
«ولا كالعُلى مالم يُرَ الشعرُ بينها
فكالأرض غُفلا ليس فيها معالمُ
ولولا خلالٌ سنَّها الشعرُ ما درى
بُغاةُ العلى من أينَ تؤتى المكارمُ»
ولم يكبُ الشعر أو ينبو في أي عصر من عصور العرب فقد كان مركب حياتهم وموكبها. وبسق وتشعبتْ أغراضه وانداحتْ آفاقه وعمقتْ معانيه فمدح الشعراء وأبدعوا وأمتعوا؛ وتغزلوا فرقّوا, ووصفوا فأعجبوا وأطربوا, ورثوا فأشجوا وأبكوا, وفخِروا فأثروا وابتكروا، وكان البيت من الشعر ينطلق فيسير في الآفاق مسيرة الشمس تتغنى به الكاعبُ في خِدرِها والسلطان في رعيته والراعي في غنيماته، وقد يكون البيتُ الشعري سبباً في حرب طاحنة أو سِلمٍ وارف، وربما جاد البخلاء بسبب قافية شاردة واردة. ولقد وجد الإسلام في الشعر صارماً يهزه فيسره يقول حسان مخاطباً قريش إبان فتح مكة:
[عدمنا خيلنا إنْ لم تروها
تُثيرُ النقعَ موعدها «كداءُ»
فإما تعرضوا عنا اعتمرنا
وكان الفتح ُ وانكشف الغطاءُ
وإلا فاصبروا لجلاد يومٍ
يُعزُّ الله فيه من يشاءُ]
ابتهجنا بعام الشعر العربي حيث يلهمنا روايةً ونسمعه صدى وتشدُّنا إليه حدائق غُلبا من إكسير الحياة ورونقها,
يطربُنا شعر الحماسة فيشنِّفُ آذاننا صليل السيوف واحتدام الجيوش في معاني فاخرة ملأت الدنيا وشغلت الناس,
«يُكلِّفُ سيفُ الدولة الجيش همَّهُ
وقد عجزتْ عنه الجيوش الخضارمُ
تقطَّع مالا يقطع الدرع والقنا
وفرَّ من الأبطال من لا يصادمُ»
وكثيراً وكثيراً ما تستوقفنا شعرية النسيب العربي
«لِعَينَيكِ ما يَلقى الفُؤادُ وَما لَقي •
وَلِلحُبِّ مالَم يَبقَ مِنّي وَما بَقي»
ويذهلنا الاندماج العربي في المروءات والمكارم وكان الشعر هو الناشر لها والمؤطر لأحداثها في قصص هي قِلالٌ مكتنزة بفنون القص, فعند الحطيئة ملحمة كريم عربي عندما كاد يذبح ابنه ليقدمه للضيف في رائعته التي مطلعها..
«وطاوٍ ثلاثا عاصب البطن مرملٍ
بتيهاء لم يعرف بها ساكن رسما»
وفي عام الشعر الذي ألبسته بلادنا تاجه سوف تُسجِّل الأذان استيعاباً غزيراً ليصبح تحليل الشعر أكثر وعياً وأعمق.
ولعلنا في عام الشعر أن نوجد سبلاً لاكتشاف شعراء واعدين مبدعين يقولون ويفعلون، وأن تكون هناك استراتيجية لنشر شعرهم ونقده لأن سوق النقد الشعري تبدو كاسدة في واقع اليوم، كما أن جوائز الشعر المحفزة تنشدُ امتلاءً أوسع، وكم تحتاج الساحة الشعرية لدورات لتعليم علوم الشعر للأجيال الشغوفة بهذا الفن الجميل.
وللشعر وهو بلاشك منصة تنوير ثقافية جاذبة استحقاق وحق في عقد مؤتمر للشعر في عامه ليحاط الشعر في بلادنا بأقرانه وأقطابه ليستلهموه ويستلهمهم تثقيفاً ومثاقفة.