هذه مسألةٌ ما يكاد يخبو ضوؤها، ويخفو بَرْقُها، إلا ويرتفع لَهَبُها، ويهيج رَعْدُها، وما ذاك في ظني إلا لِحُبٍّ وقر في قلوبنا للغة العربية، فأحببت أن أُلْقِيَ بِدَلْوٍ في الدِّلاء، مُعْمِلًا قلمي في الأقلام، ومقتبسا ممن سبقني من أهل الاهتداء والاقتداء، ومتوسطا في القولين، مستجديا العطاء من رب الأرض والسماء، ومصليا على الضياء سيدي رسول الله سيد الفصحاء، وعلى آله وسلم، فأقول: إن التفاضلَ سنةٌ كونية، ففي الفصل الشفاء، يقول العليم سبحانه وتعالى: {تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ}، ويقول: {وَلاَ تَتَمَنَّوْاْ مَا فَضَّلَ اللّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ}، ويقول: {وَنُفَضِّلُ بَعْضَهَا عَلَى بَعْضٍ فِي الأُكُلِ}، ويقول: {وَاللّهُ فَضَّلَ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ فِي الْرِّزْقِ}، وهو أمرٌ مُطَّرد ظاهر في مَناحي حياتنا لمن تدبر وتأمل.
أمّا مسألة تفاضل اللغات، فما ذا ببعيد عن ذاك، وقد تُكُلِّم فيها قديما وحديثا، ممن لا تتسع مقالتي هذه لاستقصاء ذِكْرهم، لكني أذكر اثنين منهم، وهما الدكتور عبدالرزاق الصاعدي، القائل بالتفاضل، والدكتور حمزة المزيني، القائل بعدمه، إلّا أن الأولَ أثبت مبدأ التفاضل في نظامها اللغوي، وأقرَّ بإمكانية التفاضل بين أنظمة لغتين اثنتين، لكنه منع أن يُحْكم على أفضلية لغة على جميع اللغات، بينما نفى الثاني تفاضل النظام اللغوي، لكنه أثبت التفاضل التواصلي في عدد من يتواصل بها مثلا، أو في هيمنتها في زمن ما، وكلاهما يريان ذوقيا أن العربية أفضل اللغات.
وأقول: إن التفاضل بين أنظمة لغتين مختلفتين ليس أمرا مُطَّرِدا في كل أجزائهما، فقد تَفْضُل لغةٌ ما لغةً أخرى في نظام اشتقاق الكلمات مثلا، لكن اللغة الأخرى تأتي وتفضل الأولى في نظام نحت الكلمات، وهكذا، وطالما أنه لم يردنا نص صحيح صريح إلهي أو نبوي يفيد بأفضلية لغة على أخرى، كما ورد مثلا في تفضيل قرة عيني رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على غيره من الرسل صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين، طالما لم يردنا ذلك، فسيظل التفضيل دائرا على أمرين: إما تفضيلا ذوقيا مبنيا على عاطفة متحدث تلك اللغة، وهذا يتفاوت فيه الناس تفاوتا لا ينتهي، أو بحثا علميا يدرس تفضيل سمة ما من سمات اللغة الكثيرة على سمة لغة أخرى، وهذا قد تتجاذبه الأبحاث إثباتا أو نفيا.
** **
عبدالله سليمان - الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة
@AbSoNouraldeenQ