خالد محمد الدوس
وُلد العالم الإنجليزي (أنتوني جيدنز) عام 1938 في منطقة إدمونتون في العاصمة البريطانية لندن، وكان والده يعمل كاتبًا في هيئة النقل في لندن، وبعد أن أنهى تعليمه العام التحق (بجامعة هيل) وتخرج منها عام 1959 وحصل على مرتبة الشرف الأولى في تخصص علم الاجتماع وعلم النفس ثم زاد هرمون الطموح لديه وواصل تعليمه العالي ونال الماجستير في الآداب عام 1961 ثم نال شهادة الدكتوراه في الفلسفة من كلية الملك بكامبردج ثم بدأ العمل الأكاديمي في جامعة ليستر ودرس علم النفس الاجتماعي.
وفي عام 1969 عُيِّن في منصب في جامعة كامبردج وساهم في إنشاء لجنة العلوم الاجتماعية والسياسية وحصل على الأستاذية عام 1980 بعد أن نشر ما لا يقل عن 34 كتاباً بمعدل كتاب كل سنة ترجمت معظمها إلى ما يقارب 29 لغة، كما عُيِّن مديرًا لجامعة لندن للاقتصاد والعلوم السياسية، (1997-2000)، وعمل مستشارًا (لتوني بلير) رئيس وزراء بريطانيا السابق (2007)، وقد كتب أكثر من مائتي مقال ما بين مقال بحثي، ومراجعة كتب، ومقالات صحفية عن كثير من الظواهر الاجتماعية والسياسية، فضلاً عن مؤلفاته الثرية التي حققت له هذه الشهرة.. ومن أشهرها كتاب: «تجديد الديمقراطية الاجتماعية» وكتاب: «نقد معاصر للمادية التاريخية»، وكتاب: «الرأسمالية والنظرية الاجتماعية»، وكتاب: «دستور المجتمع»، وكتاب: «بنية الطبقات في المجتمعات المتقدمة»، وكتاب: «المشكلات الأساسية في النظرية الاجتماعية»، وكتاب: «الحداثة الانعكاسية»، وكتاب: «النظرية الاجتماعية وعلم الاجتماع المعاصر»، وكتاب: «عام الاجتماع» الذي طبع أكثر من ثماني طبعات، كما درس أعمال رواد علم الاجتماع الأوائل كارل ماركس وماكس فيبر وأميل دوركهايم ومناهجهم المختلفة، على اعتبار أن كل واحد منهم كان مهتمًا بالربط بين الرأسمالية والحياة الاجتماعية، وأكد على البنى الاجتماعية للسلطة والحداثة والمؤسسات بعد أن عرف علم الاجتماع بأنه دراسة المؤسسات الاجتماعية التي نشأت نتيجة التحول الصناعي في القرنين أو الثلاثة قرون الماضية. وبناء على ذلك طور هذا العالم (النظرية الإنبنائية) بعد أن درس الأنساق الكلاسيكية أو الروافد النظرية الكلاسيكية لكبار علماء الاجتماع الأوائل، وهذا ما ظهر في كتابه: (الرأسمالية والنظرية الاجتماعية الحديثة).
قدم العالم الإنجليزي الثمانيني (أنتوني جيدنز) في ظل هذه الإسهامات العلمية والأبحاث الغنية نفسه كمنظر له مكانة عالية من خلال تأكيده على ثلاثة أشياء رئيسية في أعماله:
أولاً- كمفسر كبير للتراث الكلاسيكي في علم الاجتماع.
ثانياً- كمؤسس للنظرية الإنبنائية كإطار يوضح العلاقة بين البنية الاجتماعية والفعل الفردي.
ثالثاً- كمعلق له رؤية منهجية ومنظمة في الحداثة المتأخرة والعولمة.
والأكيد أن آراء عالم الاجتماع (أنتوني جيدنز) وإسهاماته العلمية جاءت لتشمل مجالات متعددة في تاريخ الفكر الإنساني والعلوم السياسية والاجتماعية والاقتصادية بالإضافة إلى أنها تعد محاولة جادة لتوجيه هذه العلوم إلى البحث الاجتماعي المتعمق التي أرست قواعد النظريات السوسيولوجية التقليدية والمعاصرة المتعمقة، رغم اتخاذه موقفاً راديكالياً من هذه النظريات وغيرها من النظريات الاجتماعية الأخرى، وذلك في محاولة منه لوضع نظرية سوسيولوجية ترتبط باسمه مثل ما فعل العلماء الكبار دوركهايم، وماكس فيبر، وسبنسر وبارسونز. كما انشغل جيدنز أيضاً بتقديم دراسات حول موضوعات متفرقة في نظرية علم الاجتماع فقد حوى كتابه «الرأسمالية والنظرية الاجتماعية الحديثة» دراسات حول نظرية الانتحار عند دور كهايم، ونظرية القوة عند تالكوت بارسونز ونظرية هابرماس في الهرمنيوطيقيا (التأمل)، كما قدم جيدنز (نظرية الهيكلة الاجتماعية) في كتابه «العرف المجتمعي»، وهذه النظرية الاجتماعية تفسر نشأة وإنتاج النظم الاجتماعية وتستند إلى تحليل كل من البنية والفاعلين دون إعطاء الأولوية لأي منهما على الآخر، كما لا يكفي التحليل الجزئي أو الكلي المركز لوحده في هذه النظرية. ورغم كثرة الانتقادات لهذه النظرية إلا إنها -حسب رأي بعض علماء الاجتماع المعاصرين- تظل ركيزة أساسية للنظرية الاجتماعية المعاصرة.
وإذا نظرنا للسياق الفكري والعلمي لدى هذا العالم الفذ نجد أنه يتمتع بالتنوع والثراء حيث منحته الخبرة الأكاديمية المتنوعة في ثلاث جامعات أوروبية عريقة في بريطانيا من خلال الدراسة في (جامعة هيل) فيما بين علم الاجتماع وعلم النفس والأنثروبولوجيا ثم مواصلة تعليمه العالي في أعرق الجامعات العالمية.. ثم العمل الأكاديمي في جامعة كامبريدج وسايمون فريز بكندا، فضلاً عن إدارته لجامعة لندن للاقتصاد والعلوم السياسية في مرحلة مهمة من محطاته العلمية.
ويمكن القول إن هذا المنتج العلمي والمعرفي هو حصيلة دراسات مثمرة وروافد فكرية وأكاديمية متنوعة ساهمت إلى حد كبير في التكوين العلمي القوي والعمق السوسيولوجي لدى أنتوني جيدنز ليصبح واحد من أشهر علماء الاجتماع المعاصرين في أوروبا. بعد أن منح 14 شهادة دكتوراه فخرية من مختلف جامعات العالم تقديرًا لدوره الريادي في فتح آفاق جديدة في نظرية علم الاجتماع المعاصرة، ومنجزاته البحثية.