التصحيح اللغوي ليس مجرد اصطياد للأخطاء الإملائية والنحوية المعتادة، بل يتسع مداه إلى ما هو أبعد من ذلك؛ فالمصحح اللغوي يرتقي بالنص أسلوبيًّا ليكون نصًّا إبداعيًّا متكاملاً.
المصحح اللغوي يعيد للنص تماسكه وترابطه بعد أن تاهت جمله وعباراته في غير سياقاتها؛ فيفتح آفاق المعنى بعد انغلاقها.
إن المصحح اللغوي ينظر إلى النص بعين العاشق للغة وسلامتها؛ فلا يسمح بمرور خطأ دخيل يحول بينه وبين معشوقته، وهو يستنطق النص ليبوح له بما فيه من شوائب تمنع من فهمه.
يغدو النص بعد تصحيحه مشرقًا تفصح كل لفظة فيه عن معناها، ومتآخذًا تأخذ كل كلمة بيد صاحبتها ليكتمل المعنى.
والمصحح اللغوي يحمل على عاتقه مسؤولية الحفاظ على جمال اللغة وأناقتها، وفض النزاع بين اللفظ والمعنى، وتقليص المسافة بين الكاتب والقارئ.
إنّ الأخطاء النحوية والإملائية تقلل من قيمة النص ومن شأن صاحبه؛ فيأتي المصحح اللغوي ليسترجع تلك القيمة وذلك الشأن، أما أخطاء علامات الترقيم فهي تسبب قلقًا لدى القارئ لغموض مواضع الوصل والفصل، ومواضع السبب والنتيجة؛ فيستدرك المصحح تلك الأخطاء ليستعيد تفاعل القارئ مع النص.
إنّ عشق المصحح اللغوي للغته ومسؤوليته نحوها يمثّلان عنصرًا مهمًّا في تكوين شخصيته وتشكيل إبداعه.
كما أن المصحح اللغوي بحكم حساسية مهنته القائمة على تتبع الأخطاء عليه أن يتمتع بأخلاق عالية بأنْ يكون على وعي بأن سلطته مقصورة على النص لا على صاحبه.
هكذا يكون التصحيح اللغوي فنًّا يفتح مغاليق النص، ويعيد العلاقة بين اللفظة ومعناها.
** **
- أنوار الفرس