قبل جائحة فايروس كوفيد-19 بعام، وتحديدًا في أوائل شهر أكتوبر من العام 2019م، كنت قد قررت العمل على تأليف كتاب يتناول أدب الطفل في الداخل السعودي. ولكون الكتاب يتناول هذا الجنس الأدبي بمبضع النقد، فقد كان من المنطقي أن يحوي جملةً من الملاحق، أحدها يتناول النتاجات الكتابية للكتاب السعوديين والسعوديات التي نشرت في ذلك العام.
فعمدت على الفور للتواصل مع أخي وصديقي الأديب والمؤرخ خالد اليوسف الذي كان متعاونًا كعادته مع كل ما يهم المثقف السعودي ويشكل رافدًا للتعزيز وتمكين الممارسة الثقافية السعودية. فكان أن وجدت بأن عدد ما تم تأليفه من قصص أو روايات أو كتب نقدية تعني بأدب الطفل في ذلك العام قد كان مجموعة قصصية واحدة.
وقع هذه المفاجأة قد دعاني للتواصل الشخصي مع جملة من الأدباء والأديبات، وسؤالهم عما إذا كانوا قد أصدروا أي نتاج كتابي وحالت الظروف دون إخطار مؤرخنا الأدبي اليوسف عن ذلك، لأجد بأن هناك مجموعة قصصية أخرى قد أصدرتها الزميلة القاصة والأديبة المتميزة مريم الحسن، حملت عنوان « بحيرة البط «. ليكون جملة ما تم تأليفه من أدب موجه لهذه الشريحة المهمة على قلب كل مثقف سعودي هي كتابين فقط لا غير في ذلك العام.
وعندما فكرت في هذا الأمر بتجرد، بدأت أدرك أبعاد مآلاته السلبية الثقافية على جيل المستقبل من أبناء وبنات الوطن إن استمر على ذات المنوال. إذ ربما قد يأتي يوم لا نجد لدينا من يهتم بالكتابة للطفل، الأمر الذي يعزز من توجه أبناءنا وبناتنا الصغار نحو التعاطي مع الألعاب الإلكترونية، ويزيح من أولوياتهم العقلية الاهتمام بالقراء التي توسع المدارك وتعزز الذكاء والفهم والإدراك المكاني وبدء التفكير في الما وراء مكاني أيضًا.
حقيقةً، إن هذه التجربة الصادمة إلى حد كبير، قد دعتني للعمل على تتبع الأسباب الباعثة لعزوف الكثير من الأدباء والأديبات السعوديين عن الكتابة للطفل. في حين إن المجتمعات الغربية تولي عملية الكتابة للطفل اهتمامًا كبيرًا، قد تراه بعض المجتمعات العربية، اهتمامًا مبالغًا فيه.
وباعث هؤلاء الغربيين على هذا الاهتمام، إنهم يرون بأن الجيل البالغ قد أخذ نصيبه من التنشئة والإعداد الكاملين وإنه قد قدم أيضًا جُلْ ما لديه، وإن عملية التثقيف والبناء الفكري والشخصي على المُثُلْ والمناقب وغرس الهوية والانتماء والاعتزاز الوطني لا بد أن يوجه للجيل الناشئ كونه يمثل عماد الأمة وسيكون أيضًا الضامن المستقبلي لاستمرارية حضورها وحلم سيادتها الفكرية، وإن هذا الأمر لن يتحقق إلا عبر جملة من الأسباب أو فلنقل الروافد، أحدها إن لم يكن أبرزها هي عملية التشكيل الفكري للطفل من خلال الكتابة له وتضمين ما يكتب له من قصص وروايات وأشعار أيديولوجية المجتمع وثقافته الفاعلة.
وبالعودة لمحاولتي لتتبع عزوف الكتاب عن الكتابة للطفل السعودي، فقد وجدت أن أبرز الأسباب الباعثة على ذلك أن البعض يرى بأن الكتابة للطفل تعد إقلالا من قيمته الفنية وإن مهمته كمثقف أن يوجه كتاباته للناضجين سنًّا وفكرًا. في حين كان السبب الآخر، أنه قد غلب على البعض من كتابنا وكاتباتنا هوس الكتابة الروائية التي أضحت في الأعوام الأخيرة موضةً كتابية في المشهد الأدبي السعودي. هذا إلى جانب إن محدودية وجود جوائز أدبية مغرية تمنح لمن يقدم عملًا متميزًا لهذه الشريحة العزيزة على القلب، قد ساهم أيضًا في اشتغال الكتاب من الجنسين بالأنواع الأدبية الأخرى، وعزوفهم عن الكتابة للطفل.
كما إن محدودية المؤتمرات التي تعقدها المؤسسة الثقافية الرسمية والجامعات السعودية والأندية الأدبية التي تعني بأدب الطفولة، قد ساهم في تكريس عملية العزوف الكتابي هذه. خاصةً، وإن مثل هذه المؤتمرات تدفع باتجاه إحداث حراك فكري نقدي في المشهدية الثقافية السعودية يعزز من حضور قضية الكتابة للطفل بشكل فاعل، يدفع بالعديد من الكتاب للتفكير الجاد بأهمية العودة للكتابة للطفل العربي بشكل عام، والسعودي على وجه الخصوص.
** **
- د.حسن مشهور