عثمان بن حمد أباالخيل
(نفسي التي تملك الأشياء ذاهبة
فكيف أبكي على شيء إذا ذهبا)
بيت شعر للإمام الشافعي -رحمه الله- النفس البشرية جاء ذكرها في القرآن الكريم في مواضع عديدة، وتعدَّدت معانيها بحسب سياق الآيات الكريمة الواردة وورد لفظ النفس في القرآن مائتين وخمساً وتسعين مرة، ما بين المعرف وغير المعرف والمفرد والجمع. أنواع النفس الثلاث هي النّفس المطمئنّة والنّفس اللَّوامة والنفس الأمَّارة. وفي علم النفس هناك عدد يتجاوز السبع لنفوس البشر. الفرق بين النفس والروح، النفس تموت أما الروح فإنها لا تموت لأننا لا ندرك كينونتها وبالتالي فإنها تصعد إلى بارئها. النفس بمعنى الإنسان أي الشخصية البشرية بكامل هيئتِها، وهي الإنسان بكامل دمه ولحمه وشخصيته بكل تفاصيلها. الإنسان يحتاج أن يجلس مع نفسه والجلوس مع النفس هو بذاته محاولة لإصلاح النفس والوصول إلى الرضا النفسي، والجلوس معها هي فرصة لراحتها تماماً كما نريح أبداننا حين تتعب. يقول الفيلسوف الروماني سينكا في فن «سياسة النفس»: (رأيك بنفسك أهم من رأي الآخرين فيك)، ويقول الفرنسي رينيه ديكارت (أنا أفكر إذاً أنا موجود).
هناك الكثير من الناس الذين يجلسون مع أنفسهم في كل ليلة وقبل نومهم وأنا منهم، يحاورنها في هدوء وشفافية، فراحة النفس تنعكس على حياة الإنسان اليومية في كل تفاصيلها. عليكم بالجلوس مع أنفسكم ولو بضع دقائق والبكاء إن اشتد عليكم الأمر فالبكاء راحة الإنسان ودليل على النضوج الفكري والعقلي والنفسي. من العبارات المهمة التي جاءت على لسان العالم الكبير والفيلسوف الفرنسي المعروف «بليز باسكال» (كل مشكلات الإنسان تكمن في عدم قدرته على الجلوس بمفرده في غرفة هادئة ولفترة زمنية محدودة). وهذا مخيب للنفس ومحاولة الهروب منها إلى المجهول، فالجلوس مع النفس والتأمل الذاتي يشعر الإنسان بانتمائه للصمت، وإذا بالأفكار تنهمر على الذهن، والأهم أن العلاقة بالذات تغدو أفضل وألطف. الإنسان حين يقيم نفسه ويحبها حتماً ستحبه وتجعله قريباً إلى قلوب من حوله ويستراح له في حديثه ويمدح في غيابه. الإنسان طيب القلب، طيب النفس لا يهتم بظلم وبهتان، ويحترم الجميع من مبدأ كونه إنساناً ونفسه مطمئنة. الإنسان طيب النفس يعني سكينة وسلامة الصدر وصفاء النفس ورقة القلب اللَّهم اجعلكم من أصحاب النفوس المطمئنة وأبعدكم عن النفوس اللَّوامة.
ليس لدي أدني شك أن الجميع يسعون إلى عزة أنفسهم ووضعها في مكان رفيع بعيداً عن تقلبات وتصرفات الحياة، الإنسان عزيز النفس يشعر بالفخر لما يقوم به، والرضا بكل ما يصيبه وهذا يجعله متسامحاً مع نفسه محباً لها، وهذا لا يعني أنه لا يؤنّبها على الخطأ أو يردعها عن المحظور، بل عليه أن يتعلّم مسامحة نفسه على الأمور التي فعلها في الماضي ومن مِنا لمْ يخطئ في ماضي حياته.
همسة: (من أصعب الأوقات أن تهين نفسك فتصبح بين أنفس الناس مهانة).