أبو عبدالرحمن ابن عقيل الظاهري
قال أبو عبدالرحمن: شيخ الإسلام ابن تيمية حذَّر من تتبع زلات العلماء أهل الإيمان، لأن الله عفا للمؤمنين عمَّا أخطؤوا فيه بقوله - كما في صحيح مسلم -: (قد فعلت)، وذلك عقب ما علمهم ربهم أن يقولوه: رَبَّنَا لاَ تُؤَاخِذْنَا إِن نَّسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا ، بل أمرنا أن ندعو لهم بمدلول قوله تعالى: رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ .. هذا حقهم إن أخطأ اجتهادهم . أما اجتهادهم الخاطئ ذاته فيلخص ابن تيمية موقفنا حوله بقوله: (إنما أمرنا أن نتبع ما أنزل إلينا من ربنا، ولا نتبع من دونه أولياء، وأمرنا ألا نطيع مخلوقاً في معصية الخالق). ولإحساس ابن تيمية بخطر التعرض للعلماء من أجل الخطأ في بعض اجتهادهم، فقد صرح في بعض رسائله بأنه يبيح عرضه لكل مسلم تعرض له، لأنه إنما يريد الخير للبشرية.
قال أبو عبد الرحمن: وعندما قررت مذاكرة العلم في المسجد جمعاً بين العزلتين استأذنت شيخي سماحة الشيخ ابن باز رحمه الله، فأذن لي بخطاب رسمي لدي نسخة منه، واشترط على ألا أروّج في شرحي لصحيح البخاري لمذهب الظاهرية، وأن أتبع الدليل والبرهان. وأعلنت للزملاء الأحبة في أول درس خطاب سماحة الشيخ والتزمته، وبيَّنت أن مذهب الظاهرية قول من الأقوال، وأن المتبع الدليل أينما وجد.
قال أبو عبدالرحمن: وسماحته قدوة خير في هذا منذ نشأ علمه المبارك في هذا البلد، فقد نحا منحى الاجتهاد على مذهب أهل الحديث، ودعا الناس إلى النصوص، وحببهم في الحديث إلا أن بعض الزملاء ممن كان يحضر دروس الشيخ بعد صلاة الفجر وربما حضر درسي لماماً، ربما فهم توجيه سماحة الشيخ لي على غير وجهه، فأحدهم قال في مجلسي - في غير المسجد -: (ما كان عند ابن حزم من فضل فعند شيخ الإسلام ابن تيمية مثله وأكثر).. واستمر نقاش عجزت عن قطعه لا يظهر فضل عالم إلا بالقدح في عالم آخر.
قال أبو عبد الرحمن: ليست هذه والله سبيلي التي التزمتها، وليس هذا هو مقتضى توجيه شيخي سماحة الشيخ ابن باز، وليس ذلك مقتضى توجيه شيخ الإسلام ابن تيمية عندما نهى عن تتبع زلات العلماء ذوي الإيمان والصدق في الاجتهاد. وإنما المراد ألا نروج لقول عالم بعينه، وألا نتناول عالماً آخر لم نرض اجتهاده، وإنما نلتمس الحق حيثما كان إذا ظهر الدليل.
قال أبو عبدالرحمن: وطالب العلم اليوم قادر على الاختيار، وإن كان من سلف أقدر منه على تقرير المسألة، واستحضار دلائلها، وذلك لوجوه: أولها: أن الله تعالى قال: وَاتَّقُواْ اللّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ ، وذلك داخل في معية الله جلّ جلاله للذين اتقوا والذين هم محسنون فمن صدق في تحري الحق دينونة لله سدد، ولهذا كان أهل الآثار أكثر تسديداً من أهل الكلام وأصدق عبادة، لأنهم طوعوا عقولهم للعبودية لله والتلقي عنه والتسليم له. وثانيها: أن طالب العلم قد لا يختار اجتهاد عالم بعينه في مسألة معينة، وإن كان أقل قدرة على جلب ذلك الاحتجاج الذي جلبه ذلك الإمام نقلاً وعقلاً والسر في ذلك أنه لن يرد اجتهاد الإمام إلا بعد مشاركته للإمام في فهم ما أورده الإمام نفسه من حجج. أما من رد اجتهاداً ولم يطلع على جميع أدلته ويشارك في فهمها جميعاً: فليس هو بمختار، وإنما هو متحكم. إذن القدرة على فهم الدليل المجتلب وفهم مدى تأثيره في القضية هو المنوع لمطالبة المجتهد باتباع الدليل، وإلى لقاءٍ قادم إن شاء الله تعالى, والله المستعان.
** **
كتبه لكم: أبو عبدالرحمن ابن عقيل الظاهري - (محمد بن عمر بن عبدالرحمن العقيل)