عطية محمد عطية عقيلان
أقدم البرازيلي بالتازار ليموس ذو الـ60 عاماً، بتزييف خبر وفاته، ليختبر زملاءه ويعرف عدد حضور جنازته من زملائه وأصدقائه ومحبيه، وجاءت هذه الفكرة، من تأثير عمله، حيث مهنته متعهد جنازات، وفي إحداها، صدم بوجود شخصين فقط بها، وتخيل أن هذا ممكن أن يحصل معه، ولكن حضر المئات لجنازته ومنها أمه المريضة، ليفاجئهم بظهوره أمامهم، مع غضبهم ولومه على هذا التصرف بلؤم وحمق، وهذه القصة تتكرر في ما نراه من حياتنا عند، مرض شخص أو فقده لمنصبه أو حاجته المادية، أو أفول نجمه على أي صعيد، وسمعنا الكثير من الحوادث عن مشاهير انتحروا نتيجة تخلي الجمال أو المال أو أصدقائهم عنهم، علماً أن الطبيعة البشرية، توجد الأسباب والأعذار لهذا السلوك أو تلك الجفوة، سواء بالانشغال أو ظروف الحياة، والتي ظهرت بعد أن انتهت ما كان يجذبهم في العلاقة ويوجب المجاملة فيها، وأكثر الصدمات في نظري تأتي لمن كان صاحب منصب، ترى كيف تعامل الموظفون معه والتقرب والتودد إليه، ومحاولة مشاركته أفراحه وأتراحه، والتمجيد بكل فعل يقوم به، ومع الأيام قد يغتر من لم يحسب حساب التقاعد أو الاستقالة أو الاستغناء عنه، وتكون صدمته مؤلمة، بردات من ظن أنهم أصدقاء وحلفاء، وتجنبهم له، بل يتخطاه بعدم الرد على تلفونه أو زيارته أو مجاملته بالحد الأدنى، ولم تخلُ حياتنا من معايشة أناس أو السماع من مقربين لنا بقصص من هذا النوع، وهناك مقولة قد تنطبق على هذا السلوك البشري، للعالم ابن خلدون «الناس في السكينة سواء، فإذا جاءت المحن تباينوا»، وهي تختصر فهم واقعنا وطريقة ردات فعلنا، فالمحن هي المحك الحقيقي لتصرف الناس في علاقاتهم سواء كانوا أصدقاء أو أقارب أو زملاء، وتبين مدى إيماننا بما نقول أو هو ادعاء مزيف ينكشف عند زوال المنصب أو المال أو المصلحة معهم، والحمد لله أن هذه الحياة لا تخلو من أصحاب المبادئ الجميلة المغلفة بالوفاء وحفظ المعروف ولا تحكمها المصلحة فقط، وأن لا نجرب ما قام به البرازيلي من تزييف قصة موت أو مرض أو طلب سلفة، لامتحان من حولنا، بل أعتقد أنها من نعم الله على الإنسان هي أن لا يضطر لاختبار نفسه أو من حوله في حاجة أو خدمة أو سلف أو طلب، حتى لا تكون النتيجة مخيبة للمتوقع، مع إيماني أن يكون الإنسان منطقياً وعقلانياً في توقعاته وطلباته، وأن لا يرفع سقف ردات فعل أصدقائه وزملائه، لأن الظروف متغيرة ولكل منا مشاغله وظروفه ومشاكله، إضافة إلى أنالمشاعر والحالة النفسية مؤثرة في ردات فعل الناس، وأنصح نفسي وكل من أعرف بأن لا يجرب امتحان الآخرين حتى لا يصاب بخيبات الأمل، وبدلاً منها أن يخفف من التوقعات دون لجوئه استطلاع متانتها، يقول الأديب طه حسين «إن حب الاستطلاع، إذا نفع في بعض الوقت، فإنه يضر في بعضه الآخر»، وهي أيضاً تأكيد لمقولة الرئيس الأمريكي إبراهام لينكولن «إذا كنت تبحث عن جانب السوء في الناس كي تجده، فإنك حتماً ستجده»، لذا لنستمتع قدر المستطاع بعلاقاتنا بأصدقائنا وزملائنا وأقاربنا، ونعمل على إصلاح أنفسنا كنموذج لما تحب أن يكون عليه هم، وننعم ببعض العلاقات بعيداً عن المصلحة والانتهازية.
خاتمة: مقولة طه حسين الأديب، أديب الأدب العربي، رغم أنه كفيف، ولكنه مدرسة في التعامل مع الآخرين، حتى عندما أصبح وزير المعارف في مصر، لم يتغير أدبه وتعامله مع الناس، رغم شكواه من تنكر الأصدقاء له، ولكن لم يحد عن الخلاف الفكري والثقافي وحفظ المروءة في الخصومة، يقول: «نفوس البشر كالمعادن، منها ما يعلوه الصدأ، ومنها لا يجد الصدأ إليه سبيلا»، فلنحصن أنفسنا ونغلفها بأن لا يجد الصدأ إليها طريقاً، عبر نشر الخير والتسامح والعدل ومرافقة ومصادقة من يرتقون بك، أخلاقياً وصحياً ويساعدوننا على الخير والعطف، ولنكن نموذجاً للوفاء والإخلاص والمعدن الأصيل أو على الأقل «لا تكون مصدي بأفعالك».