سهوب بغدادي
حكي أحد الشباب قصة زواجه العجيبة، وشرط والدته الوحيد لكي تخطب له الفتاة التي يرغب في الزواج بها، حيث لم تشترط عليه سوى أن ينجح في اختبار معين أخفق فيه ست مرات، وتوقف أمر خطبته على اجتيازه له، يقول الشاب لقد كانت فترة مليئة بالإحباط والدموع وكسرة النفس مع الكثير من العزلة، أعلم أن والدته أرادت مصلحته عندما قالت «انسى تلك الفتاة إذا لم تنجح المرة المقبلة» فليس اختباراً عادياً، بل هو اختبار بدون منهج، لذلك يهيم المُختبر في متاهات المعلومات المترامية، فضلاً عن طول فترة الاختبار الذي يمتد لمدة ست ساعات، رجوعاً إلى قصة الشاب، الذي أخبر الفتاة بقرار والدته، فقالت «فلان ستنجح بإذن الله وستنجح، وفي حال لم تنجح فأنا أحترم رأي والدتك، ثم بكت بالتأكيد» عندما سمعت القصة على لسان صاحبها لم أفكر ملياً في اسم هذا الاختبار المرعب، بل عرفته وانسرد شريط الذكريات لعدد مهول من الأطباء، الذين صارعوا أنفسهم قبل الاختبار، لكي ينقلوا إلى الحياة العملية، فبطبيعة الحال عندما يتخرَّج أي طالب من أي تخصص يقوم بالتقديم على الوظائف ولكن الأمر يختلف عندما يتعلَّق الأمر بالطب والتخصصات الصحية فلا يشرع الممارس الصحي في العمل دون هذا الاختبار الملزم لحصوله على رخصة تتيح له العمل في مستشفيات ومراكز الصحة في المملكة ويطلق على الاختبار «اختبار الرخصة المهنية»، الأطباء ليسوا ضد الاختبار بحد ذاته، بل في كيفية تقديمه والتحضير له، فمن هذا النطاق، أقترح أن يكون هناك منهج معتمد من الهيئة السعودية للتخصصات الصحية للممارسين الصحيين باختلاف مجالاتهم التي تستلزم الحصول على رخصة، ويتم بيع المنهج ورقياً في المكتبات أو نسخة إلكترونية بمعايير وضوابط لضمان حقوق الملكية للمنهج، إذ يأتي الاختبار متوافقاً لما في جنبات المنهج وإن كان مكوناً من عشرين مجلداً، فعلى الأقل أن الكمية معروفة ومحدودة عوضاً عن دراسة الطبيب والممارس الصحي لكل ما هبَّ ودبَّ من معلومات، ففي ذلك هدر للجهد والوقت والمادة، قد تكون فكرة المنهج جيدة ففيها عائد مادي قوي أيضاً لما لا يكون هناك جهة تدريبية مختصة بتدريس هذه المناهج والتحضير للاختبار على غرار مركز كابلن الذي يحضر الأطباء لرخصة مزاولة الطب في الولايات المتحدة، فكل هذه الأمور ستعود على كل من طالب الرخصة والجهة المعنية والجهات المشاركة بالنفع، هذه الطريقة ستقنن عدد المحاولات التي سيخضع لها الشخص لحصول على الرخصة وتجاوز الاختبار بنجاح، وستشكل المناهج السعودية لاختبار الرخصة المهنية حجراً أساساً يستند عليه أكاديمياً وعملياً وبحثياً، خاصة في حال تم تحديث المناهج بشكل دوري على سبيل المثال كل عامين، باعتبار أن الطب والعلوم الصحية تتطور ويجب أن تواكب ذلك الحراك المستمر في العالم، إن الهدف في نهاية المطاف هو اختبار معلومات وتحصيل المختبر وليس تحديد مستوى ذكاء وقدرات الشخص، لذلك نجد أن الاختبار ينقسم إلى جزأين نظري وعملي، إن كل يوم يمر في حياة ممارس مهنة لم يزاولها وتعثر في تطبيقها سيخسره جزءاً كبيراً من مهاراته وبراعته، ويطول الحديث عن الاختبارات ومعاييرها إلا أنني أكتفي وأختم بأن الشاب نجح في المحاولة السابعة والأهم أن والدته -حفظها الله - وأوفت بوعدها له، وخطبت له من يريدها زوجة، وها هو يجهز عش الزوجية السعيد -بإذن الله-، حقا، بالنظر لكل ما يمر به الطبيب والممارس الصحي من تحديات نستطيع القول إنكم «قد الدنيا»، وفَّقكم الله.