رياضة سباقات الهجن ليست رياضة طارئة، أو ذات عمر محدد، بل تعتبر من الرياضات الممتدة، والتي لم تتوقف ممارستها منذ أن بدأت حتى اللحظة، وما شهدته هو التحول من كونها رياضة تحدّي ورهان سابقاً إلى رياضة تنافسية.
تغيّر مسار هذه الرياضة التراثية تماشياً مع المتغيّرات المجتمعية والتطور المدني الذي شهده العالم، مع المحافظة على الأصول المرتبطة بها، مثل الراكب البشري وأدوات امتطاء الهجن مثل الأشدة وأدواتها من السدو وغيره، ووضعت لها الميادين وخصصت لها جوائز سباقات ومهرجانات بدعم رسمي ومجتمعي، كما استخدم الراكب الآلي من بعد عام 2000 مما عزَّز من استمرارية واستدامة هذه الرياضة.
الحديث هنا ليس عن رياضة سباقات الهجن التي حظيت كغيرها من عناصر ومكونات الوطن بالدعم والتنمية من خلال رؤية سمو سيدي ولي العهد 2023، بل دور هذه الرياضة في تعزيز حضور عناصر التراث المجتمعي أو التراث الحي أو التراث غير المادي، بل أن بعض هذه العناصر تعتبر عناصر مسجلة في قائمة اليونسكو كتراث عالمي، سواء فيما يتعلق بالمجالس أو السدو أو حداء الإبل أو القهوة أو التمر ... إلخ، ناهيك عن تزيين المجالس بعناصر التراث المصنوع من السدو، وأنواع التمور وجودة القهوة ونوعها بمختلف طرق تحضيرها وفقاً لمناطق الملاك وليس وفقاً لمكان وجودهم.
لذلك، لا يكاد يخلو سباق هجن من مشاركة الملاَّك والجمهور من عرض الفنون الشعبية سواء في منطقة الفنون أو من خلال أبنائها المشاركين في السباق خارج مناطقهم، أو تعبيراً عن فرحة بقدوم ضيوفهم والترحيب بهم تكريماً لهم في مقرّاتهم خلال المهرجانات أو في مقرّاتهم الرئيسية، وتطالعنا التغطيات الإعلامية عبر وسائل التواصل الاجتماعي التي سخّرها المنتمون لهذه الرياضة والمحبون لها لخدمتها وعرضها للجمهور بعناصر التراث الحي أو المجتمعي بأيدي أبنائه بمختلف الفئات العمرية، مما يجعل هذه الرياضة الممتدة رياضة سباقات الهجن ركيزة أساسية أصيلة في حفظ التراث المرتبط بالمجتمعات وتقديمه بروحه الأصيلة وأيضاً إنعاش ما هو مهدد بالانقراض نظراً لغياب الحاضنات أو الفرص التي تمكّن الممارسون من تقديمه.
في جميع مناطق المملكة، ودول الخليج، تؤدى الرقصات الشعبية، والاحتفالات الثقافية التي ترتكز على التراث المجتمعي/ التراث غير المادي في احتفالات الفوز وتختلف هذه الفنون أو عناصر التراث وفقاً للهوية الثقافية لكل فرد أو جماعة تبعاً لمنطقته، فتارة تشاهد الدحة والوصيف والرفيحي والخطوة والقزوعي والزامل والرزفة والمحاورة وغيرها من الرقصات الشعرية في جميع مناطق المملكة التي تشهد حضوراً لسباقات الهجن.
لذلك، فهذه الرياضة التي ارتبطت بإحدى المعجزات الإلهية، والتوجيه الرباني في تدبر هذا الكائن لا نستغرب أن تكون الرحم الحاضن والمنتج لتراثنا الوطني.
** **
- مرضي بن سعد الخمعلي
@mardhisaadd