د.عبدالعزيز الجار الله
تكريم طلال مداح (صوت الأرض) مساء يوم الأربعاء الماضي 1-2-2023 في احتفالات موسم الرياض هو تكريم لأجيال الستينات وما تلاها 1960 - 2000م برحيل طلال مداح رحمه الله رحمة واسعة وغفر له ذنوبه وأسكنه فسيح جناته، وأيضًا تكريم مرحلة من عمرنا الحضاري التي عرفت الدورة الاقتصادية الأولى - الطفرة الاقتصادية الأولى 1975 وما قبلها - التي أطلق عليها الملك سلمان بن عبدالعزيز -حفظه الله- مسمى (الوفرة الاقتصادية).
يأتي تكريم طلال مداح فبراير 2023 ونحن على أعتاب مرحلة حضارية جديدة لبلادنا نعيشها الآن من عشرينات القرن 21 بدأت 2015 مع قيادة الملك سلمان وولي العهد محمد بن سلمان -حفظهما الله- وتبلورت في السنوات الأخير مع تنفيذ مشروعات وبرامج رؤية السعودية 2030، وهي مرحلة توديع إبداعات جيل منتصف الخمسينات والستينات الميلادية لاستقبال إبداعات وعطاءات جيل الألفية الجديدة.
نحن جيل (الناقل) بين جيلين نشعر بالحزن الشديد ممن تذوق مبكّرًا عذوبة صوت طلال مداح مع أغنيات: وردك يا زارع الورد، وما عننا وعنك، وبعد إيه ترسل كتاب/ وعيني علينا، واديني عهد الهوى، ويا ويلك من الله، وما تقول لنا صاحب، ويا سر مكتوم، وأنا الحبيب المطاوع، وطال الجفا، واسمع حياتي، ومرحبا بك يا هلا واليوم يمكن تقولي. هذا الجيل الذي استمع لطلال بداية السبعينات الميلادية شعر بمرارة عندما عجز يوم رحيل طلال مداح أن يعبِّر عن حزنه ووجعه من فراق طلال الذي كان يرافقنا بصوته خلف المذيع في بداياته بثه والسنوات الأولية لظهور التلفزيون وهو يغني للأرض والناس وانكساراتهم العاطفية وللسفر وفراق الغياب (الغالين) وترحال الأهل والأقرباء والتعلق بالرسائل والأخبار المنقولة عبر الأشخاص، ربما حرمنا ومنعنا بسبب ثقافة أطبقت علينا من عام 1979 حين دخل الخليج العربي في أجندة وأيدلوجية إيران، والتطرف المقابل له والتشدد ومنهجية الإقصاء والعزل، لقد حبسنا مشاعرنا وأنفاسنا وودعنا طلال بصمت وعشنا على أغاني طلال في سكنات الصمت والعزلة الحارقة حتى وصلنا إلى حالة الأغاني المهربة، ودس أشرطة الكاسيت والكاترج عن الآخرين.
وسط هذه الصورة القلقة والمأزومة عاشت أسرة طلال مداح ظروفًا مادية صعبة لأن طلال كان يقاسمهم العيش وما يدخره مع فنه، كان يصرف على أسرته والفن والمحيطين حوله، لذا تحتاج أسرة طلال تعويض ما فقدته وما عانته من تعب وما قدمت من تضحيات لدعم طلال الأب والمبدع من أجل نشر الفن السعودي في الوطن العربي ودول العالم، وأسرته هي الحاضن لإبداعه فمن المناسب تكريمها لشيء من تضحياتها، والنظر إليها كحاضنة لمبدع نشر جمالياته لإسعادنا والتعبير عن دواخلنا، وإضافة ذائقة رائعة لبلادنا. طلال جعل لنا تعبيراً بسمات ونفس سعودي، وميزنا فنياً وثقافة موسيقية بين مجتمعات الوطن العربي.