صيغة الشمري
يقول الفيلسوف الفرنسي بول ريكور إن الوعي ليس أصلاً، ولكنه مهمة، عبارة رأيتها تحلِّق أمامي خلال تشرفي بتلبية دعوة كريمة من هيئة السوق المالية لحضور حفل جائزة المستثمر الخليجي الذكي، وهي إحدى مبادرات برنامج مُلم، التي تشجع المشاركين من دول مجلس التعاون على إنتاج محتوى إبداعي يسهم في إثراء المحتوى التوعوي المالي والاستثماري.
وطوال الحفل المميز ظلت الدهشة ترافقني حيثما وليت وجهي وأنا استعرض المشاركات الإبداعية التي تدفع المرء للاطمئنان على مستقبل بلاده ومحيطه الخليجي، فنحن أمام جيل يفكر خارج الصندوق ويحمل رؤية إبداعية ابتكارية تشبه حاضره ومستقبله ويحمل أمانة مهمة الحفاظ على المنجزات وتعزيزها والبناء عليها. وما كان لهذا الإبداع أن ينفجر بلا مقدمات، وبرنامج «ملم» مثالاً، إذ إن هذا برنامج التوعية الاستثمارية الذي تم إطلاقه من هيئات الأوراق المالية في دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية والذي يهدف إلى رفع الوعي بثقافة التعاملات المالية والاستثمار في الأسواق المالية وذلك من خلال عدد من الحملات والفعاليات التوعوية التي يقدمها البرنامج، استنهض همم أبنائنا ليبرزوا مواهبهم ويقدموا محتوى يشبه جيلهم ويخاطبهم بلغتهم ولغة عصرهم، بعيدًا عن التلقين والتوجيه المباشر والوعي الجامد الذي يستفز المتلقي فيأتي عادة بنتائج عكسية.
مبادرة اعتمدت أبجديات إستراتيجيات الاتصال والتواصل، حين ندرك الأهداف ونحدد الفئة المستهدفة ونفهم سلوكها واحتياجاتها ونتقن لغة التواصل معها ووسائلها، حينها فقط نضمن أن تصل الرسالة دون حواجز أو قيود ونعزز الثقة وننميها، وهذا نهج يجب تعميمه على فكر ونهج الحكومات في كل مكان. ويكفي النظر لآلية عمل منصات التواصل الاجتماعي وخوارزمياتها التي تعد خير مثال يجب أن تدرسه وتعيه جيدًا الدول إذا ما أرادت مخاطبة شعوبها وطرح أفكارها وكسب التأييد ورفع منسوب الثقة، فهذه المنصات تدرس سلوك واهتمامات المستخدم بالتفاصيل الدقيقة فتدرك بماذا ومتى وكيف تخاطبه وتستهدفه بمحتواها ومنتجاتها وتحافظ على ثقته بالمنصة وحاجته لها أطول زمن ممكن.
وبالعودة للمبادرة، ولمواضيع المحتوى المشارك في الجائزة نجد أن نشر الوعي من خلال مساراتها الثلاث (الفيديو والتصوير والرسم) بطريقة ابتكارية وإبداعية يسهم في ترسيخ ثقافة مالية واستثمارية باتت ضرورية وواجبة في زمن الانهيار والتخبط والأزمات المالية هي عناوينه العريضة. ومن خير من دول مجلس التعاون عموماً والمملكة العربية السعودية خصوصاً لتقود هذا التوجه التوعوي؟ فمالك الشيء يعطيه، والاقتصاد السعودي يملك قصة نجاح عالمية، حين قفزت أرقام نموه وحجم ونجاعة استثماراته فوق توقعات التضحم والركود وفوق أزمات إقليمية وعالمية لم تبدأ بجائحة كورونا ولن تنتهي بالحرب الروسية الأوكرانية.