عبدالرحمن الحبيب
نسبة الأجداد الأحياء إلى الأطفال آخذة في الارتفاع باطراد على المستوى العالمي، وهي الآن أعلى من أي وقت مضى.. سيكون لهذا تغيرات هائلة. وجود جدّة أو جدّ في العائلة له تأثيرات متنوعة بداية بالتخفيف من عبء تربيتهم على الوالدين، إلى تأثير الأجداد في نقل المعتقدات التقليدية والقصص والأغاني والشعور بالتاريخ أكثر من الوالدين.. كما أنه يزيد من فرصة عمل الأم حين يرعى أحد الجدين أبناءها أثناء غيابها.. ولوحظ انخفاض نسبة انتقال العائلة من المنزل لمن لديهم أجداد لكي تبقى العائلة بالقرب منهم لحاجتها لهم. لكن العيش مع الأجداد ليس دائماً وردياً، فقد تكون لديهم أفكار عفا عليها الزمن؛ وقد يجلب مشاحنات درامية بين الأم وحماتها.. أضافة لما قد يحدث من التدليل الزائد من الأجداد إلى الأحفاد..
هناك سببان لزيادة نسبة الأجداد إلى الأطفال على المستوى العالمي. أولاً، أصبح الناس يعيشون لفترة أطول من السابق، إذ ارتفع المتوسط العالمي للعمر من 51 إلى 72 منذ عام 1960. ثانيًا، الأسر آخذة في الانكماش؛ فخلال الفترة نفسها، انخفض عدد الأطفال الذين يتوقع من المرأة إنجابهم في حياتها بمقدار النصف، من 5 إلى 2.4 (مجلة الإيكونيميست).
بحلول عام 2050، يتوقع المختصون أنه سيكون هناك 2.1 مليار نسمة من الأجداد (يشكلون 22 % من البشرية)، وأجدادًا أكثر بقليل من الذين تقل أعمارهم عن 15 عامًا. سيكون لذلك نتائج عميقة ومتنوعة. تشير الأدلة إلى أن الأطفال يتصرفون بشكل أفضل بمساعدة الأجداد، والتي عادة ما تكون في الممارسة العملية من الجدات.. هذا سيساعد في دفع تغيرات اجتماعية هائلة خاصة في عمل النساء بأجر. هذه التقديرات الإحصائية من تقرير مجلة الإيكونيميست الذي ينبه إلى أن معدلات الخصوبة ومتوسط العمر المتوقع تختلف اختلافًا كبيرًا من بلد إلى آخر، فنسبة الأجداد 29 % في بلغاريا و10 % فقط في بروندي؛ كما يختلف معدل أعمارهم أيضًا بشكل كبير من 53 في أوغندا إلى 72 في اليابان.
يقدم الأجداد مساعدة لكل من الوالدين والأطفال في الدول الفقيرة والغنية على حد سواء.. ففي دراسة في أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى، وجدت أن احتمالات الالتحاق بالمدرسة تزيد بحوالي 15 % للأطفال الذين يعيشون مع الجد و38 % أعلى للأطفال الذين يعيشون مع جدة. كما وجدت دراسة أجريت في المناطق الريفية في غامبيا، على سبيل المثال، أن وجود جدة من الأمهات يزيد بشكل كبير من فرصة الطفل في العيش حتى سن الثانية.
في المكسيك تعد الجدات المصدر الرئيسي لرعاية الأطفال الصغار الذين لا يتواجد معهم والديهم، خاصة بعد أن أجبرت جائحة كورونا العديد من دور الحضانة على الإغلاق. وفي دراسة بنك التنمية للبلدان الأمريكية وجد أن مساعدة الجدات تزيد من فرص توظيف الأمهات، لكن لم تجد الدراسة نفسها أي تأثير على معدل توظيف الآباء.
في الدول الغنية تقدم الدولة خدمات تساعد النساء على التوفيق بين رعاية الأطفال والعمل، لكن العديد من الوالدين يطلبون مساعدة إضافية من الأجداد. وفقًا لإحدى الاستطلاعات، يقضي 50 % من الأطفال الصغار جدًا و35 % من الأطفال في سن المدرسة الابتدائية و20 % من المراهقين في أمريكا وقتًا مع أجدادهم في أسبوع نموذجي. كما أن وجود جدّة رفع معدل مشاركة القوى العاملة للنساء المتزوجات اللائي لديهن أطفال صغار ما بين 4-10 نقاط مئوية (جامعة مانيتوبا وجامعة واشنطن).
كما ذكر في المقدمة، فأحياناً يكون لوجود الأجداد بعض السلبيات، فقد يكون مستوى تعليمهم منخفضًا أو أميين ولديهم أفكار عفا عليها الزمن مما يؤثر على مستوى إدراك صغار الأطفال، خاصة إذا ترافق معه دلال زائد من الأجداد.. مأزق آخر هو أن العائلات التي تعتمد بشكل كبير على الجدة لرعاية الأطفال أقل احتمالاً للتحرك والعثور على وظيفة أفضل، فقد وجدت دراسة من جامعة مدريد المستقلة أن النساء في ألمانيا الغربية اللائي يعشن بالقرب من والديهن يكسبن حوالي 5 % أقل ويتنقلن لفترة أطول من أقرانهن. بالمقابل في السويد فإن دور رعاية الأطفال موجودة في كل مكان، فيجد السويديون أنه من السهل نسبيًا الانتقال بين المدن للعثور على وظيفة أفضل.. يقول أندرياس بيرغ من جامعة لوند: «من حين لآخر، قد يوصل الجد حفيداً من مرحلة ما قبل المدرسة أو مجالسة الأطفال، ولكن ليس دائمًا»، فبدلاً من اضطرار الأم للعودة إلى العمل، قد يمكّنها الأجداد من الخروج لتناول العشاء مع زوجها.. مساعدة الأجداد هي «مكافأة»، كما يقول أندرياس هاينو من مؤسسة فكرية في ستوكهولم.. «كطفل، أنت بحاجة إلى أشخاص بالغين أكثر من مجرد والديك».
إذا كان وجود الأجداد مفيدًا للأحفاد، فيبدو بشكل عام أنه مفيد للأجداد أنفسهم، إذ يعاني أولئك الذين يقضون الوقت مع أحفادهم من انخفاض مستويات الاكتئاب والوحدة، وإن كان بعض الأجداد يرغب في الراحة والحرية والسفر بدلاً من مشاركة الوالدين في العناية بالأحفاد، حسب دراسة في سنغافورة..