بُني عزام...
في هذه الأسطر يمتزج مداد القلم، بدموع الفرح بك، ودموع سفرك، وبعدك بعض الوقت عنا.
كلمات تنبض بنبضات قلب الأب حبًا وفخرًا بك، وخوفًا عليك، أُدرك أنك تعيها وتحسها ببنوتك وفطنتك المعهودة.
رسالتي إليك بُني ملؤها الحب الأبوي؛ لسلامتك وعافيتك وسعادتك ونجاحك وفوزك بتحقيق هدفك من رحلتك هذه، فهدفك سامٍ؛ فكيف لا وأنت شددت الرحال غاية في طلب العلم، فأُجز رسالتي في نقاط مختصرة، هي خلجات نفس أبيك، لعلمي أنك سوف تصغي لها بقلبك قبل أذنك، وترعيه اهتمامك، وتجعل منها خارطة طريق تستدل بها طريقك لتحقيق هدفك -بإذن الله تعالى-.
بُني ... حافظ على دينك وعقيدتك وسلامتهما من أي خدش من قبلك، واجعل تقوى الله -عز وجل- نصب عينك وميزان كل قول وفعل، في السر والعلن، قبل أن تقدم عليه، وحافظ على الصلاة المكتوبة، والأدعية والأذكار والأوراد، واستودع الله نفسك في كل صباح ومساء، واجعل خشية الله يقظة في قلبك دائمًا.
بُني... كن خير سفير لدينك الإسلام، ولوطنك المملكة العربية السعودية، ولأسرتك ولنفسك والمبادئ القيم والخصال الحميدة التي تتمتع بها.
أعلم بُني أنك مقبل على بيئة مختلفة عن بيتك، وعلى أُناس مختلفين عمّن عرفت وعاشرت، وسوف تشاهد التناقض في كثير من الأحيان، واختلاف في كثير من الأمور، فلا تنصدم، ولا تنبهر؛ بل كن واثقًا بنفسك، سالكًا الطريق الذي يمكنك من تحقيق هدفك، ولتحقق هدفك تعلم أكثر، وأدرس أكثر، وجد وثابر، واستمع وتحدث واقرأ ثم اقرأ ثم اقرأ واطلع وابحث واكتب، فأنت في رحلة تعليم ودراسة وبحث عن العلوم النافعة، ووقتك محسوب عليك وأيامه محدودة، فاحترم الوقت ولا تفوت أي ثانية قد تعطلك عن مسيرتك (واجعل هدفك الأساسي دائمًا نصب عينيك).
بُني... احرص على انتقاء الأصحاب والأصدقاء، وكوِّن علاقات متوازنة تعينك على تحقيق هدفك، واحذر كل الحذر من المفلسين الذين مهمتهم حرفك عن المسار الصحيح -حماك الله منهم- ومن المخاطر والسلوكيات الفكرية، والشبهات العقدية التي تنزلق بالإنسان للهاوية -ثبتك الله على الحق-.
بُني... احرص على تنظيم وقتك، والحياة وفق مخطط تسير عليه لتحقيق هدفك، وأفضل النتائج العلمية في دراستك.
بُني... كن معطاءً نافعًا، بقدر استطاعتك، ولا تكلف نفسك ما لا تستطيع، واترك وابتعد عن النقد والانشغال بغيرك وبأمور لا تعنيك.
بُني... كن مسؤولاً واثقًا بنفسك، مجتهدًا باذلاً للأسباب المعينة لك على تجاوز أي عقبة قد تواجهك، واستفد من تجارب الآخرين؛ ولكن لا تعتمد عليها!.
بُني... وطننا الغالي بذل الكثير والكثير من أجلنا، فهو الينبوع المتدفق الصافي، يفيض بالخير على أبنائه عمومًا والمبتعثين خصوصًا، لقد احتضنك بُني وغيرك من المبتعثين داخل قلبه، لتعودوا قناديل وفخر وعز نرفع بكم رؤوسنا، فاحفظ لولاة أمرنا -رعاهم الله ووفقهم لكل خير- حقهم، ولوطننا حقه، فاحذر أشد الحذر من أعداء الوطن والحاقدين.
بُني... كن على تواصل مع سفارة بلادنا، والمحلق الثقافي، والنادي السعودي وغيرها من الجهات السعودية الرسمية في المدينة التي تقيم بها، واحرص على اتباع الأنظمة والتعليمات مهما صغرت، ففيها -بإذن الله - سلامتك، واحرص على الحفاظ على جميع وثائقك وجواز سفرك وبطاقتك الشخصية وبطاقاتك البنكية وهاتفك وكل ما يخصك من الفقدان، أو أن تصل إليها يد العابثين.
بُني... احترم أنظمة الدولة المضيفة التي قدمت إليها للدراسة، خاصة أنظمة وقوانين الهجرة والإقامة والمرور.
بُني... احرص على أن لا تتأخر خارج السكن، ولا تخرج ليلاً إلا للضرورة وبصحبة صديق تثق به، وابتعد عن الأماكن المشبوهة وغير الآمنة.
بُني عزام...
ها أنت بدأت رحلتك وأول خطواتك نحو تحقيق هدفك، وحصولك على الشهادات العليا في تخصصك الذي تروم وتخطط له، فواصل المشوار مستعينًا بالله -سبحانه وتعالى- متوكلاً عليه، وكن واثقًا من قدراتك واحذر اليأس والمثبطين، فكأني أرى الحلم صار حقيقة، وغدًا نحن في استقبالك في مطار الملك خالد الدولي بالرياض، الذي غادرت منه اليوم، وأنت حامل لشهادة الدكتوراه {وَمَا ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ بِعَزِيزٍ}.
ختامًا بُني أخلص النية لله -عز وجل- في رحلتك هذه، وسوف يُعينك الله على تجاوزها بالفوز والنجاح.
أبوك المحب الداعي لك.