خالد بن حمد المالك
التصعيد الذي شهدته الأيام الماضية بين الفلسطينيين والإسرائيليين وراح ضحيته عدد من المدنيين الأبرياء في الجانبين له أسبابه ومبرراته أبرزها أن إسرائيل مَنْ بدأت في اقتحام مخيم جنين وقتلت ثمانية أشخاص ليكون الرد الفلسطيني في اليوم التالي بقتل نفس العدد من الإسرائيليين، وكأن الفلسطينيين يقولون إن البادئ أظلم.
* *
وعندما قُتل الفلسطينيون على أيدي القوات الإسرائيلية لم يصدر أي بيان استنكاري من قبل أمريكا والدول الأوروبية، بل إنها التزمت الصمت - كعادتها- وكأن الدم الفلسطيني مباح هدره، وحق مشروع لإسرائيل في استخدام القوة المفرطة في التعامل مع الفلسطينيين، ففهمته إسرائيل على نحو شجعها على التمادي في مثل هذا العدوان اليومي المتكرر.
* *
في المقابل ما إن قُتلت هذه الأعداد المماثلة من الإسرائيليين حتى جن جنون أمريكا والغرب فصدرت التنديدات، وتجريم العملية، واعتبارها عملاً عدوانياً لا يخدم السلام، والدعوة إلى تجنب التصعيد من الجانبين، والتوجه إلى الحوار والتهدئة، دون الدخول في تفاصيل صلب المشكلة وهي عدم منح الفلسطينيين دولة وعاصمتها القدس على أراضي ما قبل حرب 1967م وفقاً لقرارات الشرعية الدولية، ومبادرة السلام العربية.
* *
لا نقر الاعتداءات على المدنيين المتواصلة، سواء في الجانب الإسرائيلي أو الفلسطيني، بما في ذلك العمليتين الدمويتين في الضفة الغربية والقدس، وعلى أمريكا تحديداً أن تعيد النظر في سياسة دعمها لإسرائيل عسكرياً وسياسياً وأمنياً، لأن هذا الدعم أعطى لإسرائيل الضوء الأخضر لممارسة عدوانها، ورفض كل المبادرات لحل النزاع سلمياً من خلال الحوار الذي يفضي إلى قرارات يقبلها الطرفان.
* *
إن إبقاء المشكلة دون حل كل هذه العقود من السنين، إنما يعقّدها، ولا يضمن لإسرائيل السلام الذي تنشده، وإن خيار الدولتين هو المخرج الوحيد لحماية الأنفس البريئة في الجانبين من القتل بدم بارد، وما لم تعالج هذه المشكلة وفق هذا التصور فسوف تستمر الفوضى وعدم الاستقرار، دون وجود مصلحة لإسرائيل في ذلك، خاصة وأن الفلسطينيين ليس لديهم ما يفقدونه حين يستمر الوضع على ما هو عليه طالما لم تُلَبَّ مصالحهم، ولم تحقق لهم مطالبهم المشروعة.
* *
وما يجري في الأراضي المحتلة إسرائيلياً من حرمان المواطنين الفلسطينيين من أبسط حقوقهم، واستمرار التوسع في إقامة البؤر الاستيطانية في القدس والضفة الغربية المحتلة لن يحول دون استمرار المقاومة الفلسطينية، كما أن التهجير، وهدم المنازل، وتسليح المدنيين الإسرائيليين، وفتح السجون لمزيد من الأسرى، لا يقود إلى استمرار هيمنة إسرائيل على كل الأراضي الفلسطينية، وبالتالي فإن الحل القبول بدولتين إسرائيلية وفلسطينية.
* *
وفي هذا السياق، فإن المسؤولية تقف (أولاً) على الولايات المتحدة الأمريكية والغرب عموماً في بقاء هذه القضية دون حل، نسبة إلى دعمهم لإسرائيل، كما تقع المسؤولية (ثانياً) على بقية دول العالم وخاصة الصين وروسيا في التعامل مع القضية بالصمت المريح لإسرائيل، بينما يكتوي الفلسطينيون المجردون من السلاح بنيران الإسرائيليين، فيتعاملون بالمثل بما قد يمتلكونه من سلاح تقليدي خفيف.
* *
ما نتمناه أن يتضافر العالم، ويحنو على المدنيين المعرضين للقتل في الجانبين الإسرائيلي والفلسطيني، لمنع هذه الجرائم، ويحولون دون حروب عبثية، بينما بمقدورهم التوافق على حل إلزامي لقيام الدولتين، بما يحقق مصلحة للجانبين, ويوقف هذا النزيف من دماء الأبرياء، ويحقق لإسرائيل السلام والعلاقات الطيبة مع دول المنطقة، وللفلسطينيين حلمهم في دولة قابلة للحياة على أراضيهم ما قبل حرب 1967م.