د. شاهر النهاري
يظل الإنسان يبحث في الجوار والبعد عن الأسرار الكونية الممكنة والكامنة، وعن فكفكة أسرارها، لتكامل حقائق الكينونة والوجود، والترابط بين المرئي، والمجهول، وتلك غريزة امتلكتها البشرية، تحركهم، وكم تشتت أفكارهم، ولكنها تفتح الأبواب المؤصدة، بتمكينهم من إثبات ما لم يتم معرفته في العصور المرتحلة من معارف وإمكانية تفسير خفايا دقة الكون، ووجود مهندس عظيم له، وتبرير وجود الإتقان والإعجازية، والحسن والجمال، ومحاولة استقرائها، ومعرفة مناطق وأسرار وتركيبات وجودها في شيء، وانعدامه في شيء آخر، وربطها بنظريات قديمة أو مصاحبة، وجعلها دليلاً على اليقين، الذي كان وسيظل هدفاً للإنسان المفكر المتعلم الباحث، للتعرف أكثر على أجزاء هذا الكون، وعظمتها وأسبابها.
والنسبة الذهبية أو المسماة بالرقم الذهبي 1.618، هي عبارة عن ناتج قسمة مقاسين أحدهما أكبر من الآخر، والتي لاحظها فيثاغورس وإقليدس في اليونان القديمة، وأيد نظرياتهما عالم الرياضيات الإيطالي في العصور الوسطى ليوناردو فيبوناتشي، وعالم فلك عصر النهضة يوهانس كيبلر، وصولاً إلى الشخصيات العلمية الحالية مثل فيزيائي جامعة أكسفورد روجر بنروز، وغيرهم ممن قضوا سنوات طويلة على دراسة هذه النسبة وخصائصها.
نسبة تتواجد في روعة أشياء من حولنا، وحتى في مختلف مقاييس الأشكال الفلكية والكونية.
وأوضح صورها تتمثل في رسمة المثلث المثالي الجميل تستحسنه العين، والمستطيل المثالي والدائرة البديعة، والتي ثبت وجود تلك النسبة بين مكونات أجزائها.
والنسبة عبارة عن رقم عددي بسيط في شكله، وتكوينه، ولكنه يعد من أكثر الأرقام الكونية تواجداً وتعقيداً، وإثارة للجدل، وتحفيزاً للخيال، نظراً لما قيل وأعيد، وما نسج عليه تاريخياً، وما نتج عنه من حسابات ودراسات ونظريات ومعادلات حسابية مدهشة أثبت الكثير منها، مع وجود الكمال والجمال في حال وجودها، كونها تُكسب ما نراه أو نتمعن فيه أو حتى ما نصنعه من أعمال مفاهيم جمالية عميقة، فكأنها منفردة تحتوي على جل أسرار الوجود.
أغلب الأشكال الهندسية القريبة للنفس والعين تظهر تلك النسبة في مقاساتها، مثل نسبة محيط الدائرة إلى قطرها، وفي المثلث المتناسق بنسبتها بين ارتفاعه وقاعدته، وتوجد في تكوين المعين، وحتى في الأشكال المخروطية، واللولب.
ويقال إن أول ظهور فعلي لتلك النسبة برز في عصر الفراعنة، فكانت تصميمات الأهرام مبنية على مقاسات مثلثات مثالية متناسقة في طولها وعرضها وزواياها بذات النسبة، مكتسبة المتانة والديمومة والجمال.
وشمل ذلك دراسة التماثيل المتفق على جماليتها، فوجد أن مقاسات تمثال وجه الملكة الفرعونية نفرتيتي، الموصوف بالجمال، كان معتمداً على تلك النسبة بين أطوال وعرض تقاسيم ملامح وجهها الجميل، من فتحة عين وفم والمسافات بينها، ومن ذقن وعظمتي وجنة، والمسافات بين مختلف الأجزاء بثبوت وجود النسبة الذهبية، ما أكسبها هذا النوع من تميز الجمال النادر الذي يعده الكثير من أجمل الوجوه.
وهذه النسبة متطابقة أيضاً مع متتالية «فيبوناتشي»، التي ابتدعها عالم الرياضيات الإيطالي ليوناردو فيبوناتشي، وشرح فيها عملية تزاوج أرنبين، وتسلسل سلالتهما المحتملة في متتالية عددية تحتوي في أجزائها النسبة الذهبية، وبما يظهر النتيجة بتكامليتها وجماليتها في تشكيل التعداد.
كما تم تتبع ودراسة جزئيات ومقاسات أغلب لوحات كبار الفنانين مثل ليوناردو دافنشي، وسلفادور دالي، وغيرهما، وتأكيد وجود النسبة في مكوناتها ضمن أطوال وأشكال يمكن أن يفسر بها الجمال المكنون في عظمة وإعجازية الصور.
وفي الطبيعة تمت دراسة أشكال النباتات مثل أوراق وحبيبات زهرة عباد الشمس فتم الربط، وإيجاد النسبة أيضاً في تكوين الزهور البديعة، ونسبة أطوال الأشجار إلى عرضها وحتى في تشكيل الأحراش، ليثبت أن النسبة حاضرة كلما حضر الجمال.
وفي تكوين أجزاء جسد الطير والنحل وأقراص عسلها، كانت النسبة، التي حدد من خلالها أسباب وجود الجمال، وحتى اللذة.
وفي كثير من أجساد الحيوانات وجدت النسبة، مثل قوقعة الحلزون، ونقوش ظهر السلحفاة، وتناسق مقاسات جسد وقوائم الخيل، وعنق الزرافة، وخرطوم الفيل، وسنام الجمل، وفي أطوال الذيول، والقرون، والآذان، وحتى في تكوين النقوش على أجسادها، المرتبطة بمفاهيم الجمال.
وفي جسم الإنسان بحث عدد من العلماء والفنانين عن تلك النسبة، وكان أهمهم ليوناردو دافنشي، الذي أفرد لذلك عدداً من الرسوم التخطيطية لتشريح جسد الإنسان وأثبت وجود النسبة الذهبية بين طول القامة، وتناسقها مع أطوال الأطراف، وفي طول العنق ونسبته مع الرأس.
وفي لوحة الموناليزا، تمت دراسة وجهها، فوجدت النسبة بين محيط العين والفم والأنف والمسافات بينها، واستدارة الوجه، وغيرها من المقاسات، التي تحتوي النسبة الذهبية دليلاً على تتبع مواطن الجمال والغرابة، التي تجذب العين، لشيء فيها غير مفهوم ولكنه قابل للتأويل، ولا شك أن أي تحور أو تهدل أو نحف، أو وزن زائد أو نقص طول أو تشويه في الجسد يبعد النسبة الذهبية كلياً.
وعلى مستوى رقع البلدان والقارات وتناسق مواقعها على الكرة الأرضية فقد أبدع الكثير من المنظرين في تفسيراتهم، وإيجاد النسبة الذهبية، وحتى أن مواقع بعض المدن على الكرة الأرضية مثل مكة المكرمة، وعدد من المدن، الواقعة على نفس مستويات خطوط الطول أو العرض، وبعدها وقربها عن القطبين أوجدت النسبة.
وفي عدد من الآثار القديمة والحديثة وجدت النسبة متكررة في تكوينها، مثل معبد هيكل «البارثيلون» في اليونان، وبرج بيزا إيطاليا المائل، وبرج إيفل باريس، وتمثال الحرية بنيويورك، ومعظم مقاسات القبب، والمآذن القديمة والحديثة، وأخيراً في مقاسات مبنى وزارة الدفاع الأمريكية «البنتاجون».
المكعب، والذي يكون طوله مثل عرضه مثل ارتفاعه عادي، كونه لا يحتوي على النسبة الذهبية، إلا لو تحايل من يحسبها، وأدخل الموضوع في ظنون وحسابات، وجذور تربيعية، وغير ذلك من العمليات المعقدة، والتي تبحث عن النسبة، وقد لا تجدها.
تخيل لو كانت العين مكعبة، هل ستجد فيها جمالاً؟
الطبيعي ألا يكون الطول مثل العرض، وأن يكون هنالك فارق محسوس نافٍ للتطابق بنفس الرقم الذهبي، وهو ما يسمح بالمقارنة والحساب، ويبدو أن النسبة الذهبية مريحة للعين، وجذابة للحواس، ما يجعل الناظر إليها يرتاح وينجذب، وينبهر، ويرى الكمال والجمال كلما اقتربت أيقونته من تحقيق وجود حسابات هذه النسبة الذهبية.