د. إبراهيم الشمسان أبو أوس
استعملت (الشوشرة) في لغة المحدثين بمعنيين أحدهما حسّيّ، والآخر معنويّ، وأما الحسيّ فهو إشارات كهرومغناطيسية أو إشارات صوتية قد تصاحب إشارات البث الفضائي ويُحتال لتجنبها باستعمال أجهزة تحجزها وتصفي الإشارة منها، وفي الأصوات تُستعمل لواقط خاصة ويُستعان بغرف خاصة تحجب الخلفيات الصوتية المزعجة، وأما المعنوي المجازي فهو كل تصرف يعترض أمرًا فيخل به ويفسد اتساقه، فإن كان عفويًّا فمرتكبه يشوّش، وإن كان متعمدًا قاصدًا فهو يشوشر، ومن استعمالات (الشوشرة) ما وجدته في الصحافة أذكره للتمثيل من غير حصر ولا قصد، جاء في صحيفة (سبق)30 سبتمبر 2016 - 29 ذو الحجة 1437هـ «كيال: ابتعدوا عن الشوشرة .. وهذا سر غياب (العابد)». وفي صحيفة المدينة، الجمعة 04 / 06 / 2010م «نجران: حادثة الثقفي وأبو يابس هدفها (الشوشرة)».
وكان مجمع اللغة العربية الافتراضي قد غرد بهذه الكلمة وهذا نص التغريدة:
«كلمة اليوم: #الشوشرة يقال: شوشر الرجل على رفاقه إذا شوّش عليهم وأوجد الاضطراب، وشوشرت المرأة على زوجها.. ولا تشوشرْ علينا.. هل هي مولدة؟»(1).
ووجدت من أجابوا عن هذه التغريدة من مناطق مختلفة ومن بلاد مختلفة، فمنهم من يذكر استعمالها في موطنه، ومنهم من ينكر ذلك، واتضح من ذلك انتشار استعمالها في كثير من مناطقنا بغض الطرف عن عمر هذا الاستعمال وأصالته، فبعض المناطق دخل اللفظ إليها من غيرها سماعًا من غير أهلها أو سماعًا من وسائل الإعلام. ولعل اللفظ في الأصل من العامية المصرية، فقد جاء في معجم تيمور الكبير: «عمل شُوشَرَة: أي إشاعة ولغط حول شيء»(2) .
ولست تجد (الشوشرة) في المعاجم القديمة؛ لأنها من موضوع المحدثين، فهي مصدر الفعل (شوشر) وهو من الرباعي الملحق بالثلاثي أُخذ من الفعل (شوَّش) بتضعيف الواو، فتخلصوا من التضعيف كراهة المتماثلين، وأبدلوا بإحدى الواوين الراء (شوّش) شوْشر)، وجاء مصدر (شوّش) في بعض المعاجم العربية مثل (تهذيب اللغة)، قال «وَأما التشويش فَإِن اللّغويين أَجمعُوا على أَنه لَا أصل لَهُ فِي الْعَرَبيَّة وَأَنه مِنْ كَلَام المَولّدين. وَأَصله التهويش، وَهُوَ التَّخْلِيط»(3)، ولكن قال صاحب متن اللغة «ولكن الليث والجوهري أثبتاه في أصل العربية، وأصله التهويش وهو التخليط»(4). وكذلك جاء في معجم ديوان الأدب: «شَوَّشَ عليه الأمرَ فتشوَّش»(5)، وجاء في (شمس العلوم ودواء كلام العرب من الكلوم): «شَوَّش عليه الأمرَ، بالشين معجمةً: أي لَبَّسَ»(6). ومن المعاجم الحديثة المعجم الوسيط: «(شوَّشه): خلطه وأساء ترتيبه. ويُقال: شوَّش بَينهم فرق وأفسد»(7).
وأما في عاميات الجزيرة فنجد الفعل (شاش يشوش) بمعنى ثار واستشاط غضبًا، ونجد (الشوشة) وهي شعر الرأس الطويل المشعث الثائر، وربما لقب من هو بهذه الصفة بشوشان، وشوشان من أسماء الناس في نجد، وهذا يعني أن للفعل (شوشر) جذوره في لهجات الجزيرة.
وجاء الفعل (شوشر) ومصدره (الشوشرة) في معجم اللغة العربية المعاصرة: «شوشرَ يشوشر، شوشرةً، فهو مُشوشِر.
• شوشر التِّلميذُ: أحدث جلبة واختلاطًا وضوضاء (تُعدّ الشوشرة مظهرًا من مظاهر التلوّث السمعيّ).
• شوشر الجِهازُ: أحدث اهتزازات وأصواتًا خارجيّة»(8).
وإن اعتمدنا على مبدأ ما قيس على كلام العرب هو من كلامهم فإن ما أُخذ من كلامهم هو من كلامهم أيضًا؛ فالفعل (شوشر) ومصدره (الشوشرة) عندي من العربية الصحيحة موافقة لأستاذنا أحمد مختار عمر.
(1) https://twitter.com/almajma3/status/548714536417505280
(2) أحمد تيمور، معجم تيمور الكبير في الألفاظ العامية، 6: 257.
(3) الأزهري، تهذيب اللغة، 11: 305.
(4) أحمد رضا، معجم متن اللغة، 3: 395.
(5) الفارابي، معجم ديوان الأدب، 3: 432.
(6) نشوان الحميري، شمس العلوم ودواء كلام العرب من الكلوم، 6: 3587.
(7) مجمع اللغة العربية بالقاهرة، المعجم الوسيط، 1: 499.
(8) أحمد مختار عمر، معجم اللغة العربية المعاصرة، 2: 1247.