ذكر الجاحظ في كتابه البيان والتبيين، قصةً تدل على تَدَين جرير -رحمه الله- وهي: أنَّ الفرزدق شاهد جريرًا في الحج (والفرزق وجرير هما مَن أسسا شعر النقائض، والنقيضة هي: أن ينظم الشاعر قصيدةً فينقضها شاعر آخر على وزن القصيدة نفسها وقافيتها، وهي قصائد بل معارك شعرية طاحنة لا تخلو من سبٍّ وشتم وهياط! وإن عَدَّها كثير من النقاد فنًا من فنون الشعر العربي وخصوصًا في التصوير الفني!
استمرت هذه المعارك بين الفرزدق وجرير قرابة أربعين سنةً، لأسباب كثيرة، ليس هذا مجال ذكرها... المهم ما لكم في الطويلة!
وأعود إلى القصة التي ذكرها الجاحظ، وهي: أنَّ الفرزدق عندما شاهد جريرًا في الحج، قال: والله لأفسدنَّ عليه حجه! يعني أنَّ الفرزق ما كفاه كل قصائد الهجاء التي ابتلى بها جريرًا، وأراد أيضًا أن يأخذه إلى مستنقع من مستنقعات الشيطان ليفسد عليه حجه! فأخذ الفرزدق بطرف إحرام جرير وسحبه، فقال:
فَإِنَّكَ لَاقٍ بِالمشاعر ِمِنْ مِنًى فَخَارًا
فَأَخْبِرْنِي بِمَا أَنْتَ فَاخِرُ؟
فقال جريرٌ: لبَّيك اللهم لبَّيك!
وانصرف حفاظًا على حجه وحفاظًا على دينه!
مع أنَّ جريرًا ليس قلَيِّل شر!
** **
- راشد بن محمد الشعلان