الثقافية - علي بن سعد القحطاني - كمال الداية - هيئة التحرير بالثقافية:
صرح الأمين العام لمجلس الجامعات السعودية د.محمد الصالح، أنه ستغلق عشرات التخصصات الإنسانية في الجامعات والكليات لا يحتاجها سوق العمل قريبا، وسيتم تحويلها إلى تخصصات تطبيقية وذلك لإزالة الفجوة بين سوق العمل ومخرجات الجامعات، ونظرا لأهمية الموضوع ولأنه يمس شريحة واسعة من الأكاديميين والطلاب «الثقافية» طرحت هذا الموضوع والتقت بعدد من الأكاديميين وأساتذة الجامعات للتعليق حول هذا القرار.
في البدء تحدث الباحث والمؤرخ د.محمد آل زلفة عضو مجلس الشورى الأسبق فقال: منذ سنوات وجامعاتنا بحاجة إلى مراجعة في هيكليتها ومناهجها، واستقلاليتها، هذا التوجه الذي دعا إليه الأمين العام للجامعات يمثل خطوة ضرورية، في إعادة النظر فى بعض ما تقدمه الجامعات من مواد لا تخدم العملية التعليمية ولا سوق العمل ولا توصل الرؤية إلى تحقيق أهدافها إذا استمر التعليم الجامعي على ما هو عليه ولا استمرار وضع الجامعات إداريا وماليا وكوادر أعضاء هيئة التدريس على ما هو عليه، ولا أرى اقتصار التقليل من مواد اللغة العربية وما يتفرع منها فقط، بل هناك مواد مثل مواد الثقافة الإسلامية المقررة على كل طلاب الجامعة وهي تشكل عبئا كبيرا على الطلاب ومنهكا ماديا لميزانية الجامعة، وهذه المادة التي تشغل العديد من الساعات وتحتاج العديد من الكوادر ويمكن اختصارها إلى اقصى حدّ، وهي في الأساس من اختراع الإخوان المسلمين حينما كانت لهم الكلمة الأولى في وضع مناهجنا التعليمية بما فيها الجامعات، فعلا جامعاتنا بحاجة إلى إعادة النظر في أوضاعها بشكل عام وإصلاح أوضاع التعليم ضرورة تأخذ به كثير من البلدان كلما شهدت البلدان من تطور، وكانت السيدة مارجريت ثاتشر حينما تولت رئاسة الحكومة البريطانية في أوائل الثمانينات من القرن الماضي كانت من أوائل اصلاحاتها إصلاح أوضاع الجامعات والحدّ من هيمنة سطوة النقابات والأحزاب المتطرفة الذين يشبهون سطوة الإخوان المسلمين على التعليم ومناهجه في بلادنا، لأنها رأت أن إصلاح الاقتصاد في بلادها وعودة رؤوس الأموال واستجلاب المستثمر يبدأ بإصلاح التعليم وتقليم مسببات الإضرار بالاقتصاد، وبلادنا بخططها الطموحة ورؤيتها الواضحة تفوق أكبر تجربة يشهدها العالم المعاصر.
التخصصات وسوق العمل
وقد أشار د. محمد بن سليمان القومي، إلى أهمية المواءمة بين وجود بعض التخصصات النظرية وإغلاق التخصصات للتي لا يحتاجها سوق للعمل فقال:تقوم رؤية المملكة العربية السعودية 2030 - كما ذكر ولي العهد، رئيس مجلس الوزراء صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان- على فكرة العمل اليوم بجهود متظافرة من أجل غد مشرق لبلادنا وأجيالنا القادمة.
ولأن الرؤية المباركة قد نظرت إلى خطورة تنامي البطالة في المجتمع؛ سعت إلى وضع الخطط المناسبة لتقليلها، ثم تلاشيها بتوفيق الله القادر، المعين لكل عامل مخلص.
والتعليم يعد من أهم ركائز الاقتصاد الوطني؛ فالمتعلم المؤهل هو الأقدر على الإسهام الفاعل في بناء الوطن وحمايته؛ لذلك أصبحت الجامعات في مراجعة مستمرة لبرامجها وخططها المستقبلية، ساعية إلى استحداث تخصصات توائم سوق العمل، مواكبة للرؤية المباركة.
ولا شك في أن الدولة -أيدها الله - تدرك أن الجامعات مصدر إشعاع وتنوير علمي، وليست مسؤولة عن تلبية حاجة سوق العمل، لكنها تنظر إلى مواطنيها نظرة الأب الحريص على رعاية أبنائه وتوفير ما يحتاجون إليه من سبل العيش الآمن الرغيد؛ من أجل ذلك جاء التوجيه إلى مؤسسات التعليم العالي للمساهمة في توفير الحلول المناسبة لإمداد سوق العمل الحكومي والأهلي بالكوادر الوطنية المؤهلة التي تلبي حاجته، وتقضي على البطالة.
وقد أشار الأمين العام لمجلس الجامعات إلى إغلاق التخصصات التي لا يحتاجها سوق العمل، وتحويلها إلى تخصصات تطبيقية. وغني عن البيان أن بقاء التخصصات الأصول كالشريعة واللغة العربية في المراكز الرئيسة للجامعات بنسب قبول تلائم الحاجة إليهما أمر في غاية الأهمية؛ لما لهذين التخصصين من أهمية كبيرة، وأثر فاعل في الأزمات التي تمر بمجتمعاتنا، وللحاجة إليهما في الدوائر والمؤسسات.
التخطيط وسوق العمل
ويتفق د.توفيق السيف المتخصص في العلوم السياسية مع توجهات الأمانة العامة لمجلس الجامعات السعودية من إغلاق عشرات التخصصات التي لا يحتاجها سوق العمل وذلك في حديثه مع «الثقافية»، حيث قال: من المفيد تخطيط الأمانة العامة لمجلس الجامعات السعودية وربط التخصصات المطلوبة مع سوق العمل لعشر سنوات قادمة، وهناك تخصصات تشبّع المجتمع منها، كتخصصات «اللغة العربية» و»التاريخ» و»الجغرافيا» التي لم يجد طلابها فرصة لهم في سوق العمل.
التخصصات المناسبة لكل منطقة
بينما أدلت د.هيا عبدالعزيز المنيع عضو مجلس الشورى سابقا برأيها حول قرار الأمانة العامة لمجلس الجامعات، فقالت: علميا لا يوجد اتجاه واحد في التعليم العالي فهناك مدارس تؤمن أن التعليم الجامعي إشعاع علم ومعرفة وليس ماكينة لإمداد سوق العمل، ورأي آخر يرى العكس ويؤكد أن التعليم للتعليم هدر اقتصادي بشري ومالي بمعنى أن الجامعة مؤسسة تعليمية لتقديم الأيدي العاملة لمؤسسات المجتمع، شخصياً لست مع الإغلاق التام بل لابدّ من التقنين في عدد المقبولين من شباب وفتيات للتخصصات التي تشبع منها سوق العمل، لأن التشبع مراحل وتتغير من تخصص لآخر، الإشكالية من وجهة نظري ليست في الاستمرار أو الإغلاق بل في عدم وجود خطة استراتيجية تنقذ التعليم بكل مؤسساته من القرارات الطارئة إلى مستهدفات بعيدة المدى دون إغفال لمتغيرات بالمرحلة الحالية والقريبة، في سنوات سابقة تم افتتاح كليات المجتمع وأُخذ بالاعتبار مناسبة التخصصات لكل منطقة بمعنى التركيز على الدبلومات الزراعية في مناطقها والصناعية في المدن الصناعية وهكذا.
السؤال: هل تمّ تقييم التجربة قبل تكرارها، أم نحن نكرر التجربة من بوابة أخرى بحيث يكتنز السوق بالدبلومات ثم نطالب بإعادة تأهيلهم؟. التعليم يمثل مرتكزا مهما في نجاح أي مشروع تنموي دون شك ولا يختلف على ذلك اثنان ولكن الاستمرار بالارتجال في القرارات ليس مناسبا للمرحلة الحالية التي نتوقع ونتمنى فيها تفعيل نظام الجامعات الجديد وأن يكون أول مخرجاته القضاء على الجامعات المستنسخة من بعضها للقضاء على الصورة النمطية للجامعات، بحيث نجد تخصصا هنا لا نجده هناك ومواضيع بحثية لا تتكرر بل استثمارات متنوعة تمثل رافدا قويا لدعم التنوع البرامجي لكل جامعة، ليتنا نبتدئ بتفعيل نظام الجامعات قبل الإغلاق ثم نتيح لكل جامعة أن تكون نموذجا في تحقيق مستهدفات التعليم الجامعي وفق رؤية اقتصادية ومعرفية في ذات الوقت.
الخطوة الجريئة
من جهته بارك الإعلامي د.عبد الله الطويرقي هذه الخطوة التصحيحية التي اتخذتها الأمانة العامة لمجلس الجامعات السعودية التي يرى أنها قد تأخرت كثيرًا وقال: كان من الطبيعي لو كانت وزارة التعليم مطلعة على خطط التنمية ونمو القطاعات الاقتصادية والتصنيعية والتجارية ومؤشراتها السنوية عن مخرجات الجامعات وسوق العمل في كافة قطاعات الدولة، لنكن صادقين البلد يعيش رؤية تحولات كبرى وغير مسبوقة لبيئة العمل وفكر الأفراد وهندسة الواقع الاجتماعي السياسي الاقتصادي 2030.. تشبعت البلد بتخصصات نظرية فاقت موارد وإمكانات المجتمع للدرجة الذي اضطرت الحكومة لمواجهة الفيضان البشري من الجامعات بنظام البنود في فترة من الفترات لحلحلة مشكلة البطالة، وعدّ د.الطويرقي هذه الخطوة جريئة في استصلاح الأكاديميات وترشيد الإنفاق وتوجيهه للمجالات التقانة والاقتصاد المعرفي والطب والقانون وصناعات بترولية متقدمة وكفاءات ماهرة مدربة لسدّ احتياجات تنويع الاقتصاد الوطني كالسياحة والترفية وصناعة الفنون والسينما لكي لا نضطر للعمالة الأجنبية أو نرى طوابير من اختصاصات من العبث ان يصرف عليها من خزينة الحكومة، وهذه خطوة بالغة الأهمية ومتوقعة مع خصخصة التعليم الجامعي وهذه ضريبة مجتمعية مؤجلة اسهمت في تفاقمها أكاديميات بلا بصيرة ولا توقعات لما ستكون عليه أوضاعنا خلال العقود القادمة، ولم يكن لدى الحكومة خيارات إلا التدخل لاستصلاح الفكر والبيئة الجامعية بما يتماشى وتحولات لمجتمع الرقميات المعرفة والحكومة الالكترونية، على أية حال، وهكذا هي الدولة طليعية وتسابق المجتمع وكان لابد مما لابد منه.. انا أؤيد هذه الخطوة السياسية الشجاعة ولعلها أيضا تغيّر من فكر أن الجامعة تكيّة خدمة مدنية فلا بد من الاستثمار الذكي بأكاديمية تقدميّة تتماشى وعصر مجتمع، المعلومات وتخدم حراك المجتمع.
رؤية المملكة 2030
وكان للدكتور إبراهيم بن سعد القحطاني رئيس قسم البلاغة والأدب، كلية اللغة العربية بالجامعة الإسلامية تعليق حول قرار الأمانة العامة لمجلس الجامعات السعودية وقال: تعد الجامعات حقلا علميا تشع منه المراكز البحثية ببراءات الاختراع المتنوعة في جميع التخصصات، ولا شك أنها بذلك ستسهم في عجلة التنمية بالشكل المطلوب، وتعاضدها المؤسسة العامة للتدريب التقني والمهني في متطلبات سوق العمل المستجدة، مع الإشادة بهذه المراجعة المميزة للبرامج المختلفة التي كانت نابعة عن رؤية معرفية واقتصادية في آن واحد، في ظل مستجدات سوق العمل للقرن الواحد والعشرين وهي تتوافق مع رؤية المملكة 2030 في كافة المجالات.
استراتيجية بعيدة المدى
أمّا د.عبدالرحمن البارقي أستاذ اللسانيات فكان له رأي آخر حول قرار الأمانة العامة لمجلس الجامعات السعودية وقال: يبدو لي أن ثمة إشكالا في فهمنا للدور المناط بالجامعات، وخلطنا بين دورين منفصلين وهما: التأهيل العلمي والبحثي، والتأهيل المهني والوظيفي، ولا ريب أن الدور الثاني مهم جدا، وله ما يغذيه من المؤسسات الحكومية والخاصة والمعاهد، أما جانب التأهيل العلمي والبحثي فهو الدور الأساسي للجامعات وهذا لا يقتضي بطبيعة الحال أن يخلق سوق عمل بقدر ما يقتضي المواءمة دون الإخلال بالشرط العلمي، ومن ثم لا تتحمل الأقسام العلمية تبعات عدم وجود وظائف للخريجين؛ لأن هذا فوق دورها العلمي، ولذلك نجد جامعات عالمية قارب عمرها أربعمائة سنة ومازالت تدرس العلوم النظرية والفنون والعلوم الإنسانية، أتفهم تماما أن بعض التخصصات لا تجد فرصا جيدة في التوظيف لكن الحلّ ليس في إغلاق الأقسام القائمة، ولابأس بتقليص القبول فيها؛ لأن سوق العمل متحرك وليس ثابتاً، وما لا نحتاجه اليوم قد نحتاجه بعد خمس سنوات، بل إن بعض التخصصات الحيوية جدا اليوم منبعها من أقسام نظرية، ولنأخذ على ذلك مثالا بالحوسبة اللغوية وصناعة المدونات والذكاء الاصطناعي، فتلك المناحي التخصصية وما تنطوي عليه مدينة لأقسام اللغات، وهو ما يمنحها بعدا توظيفيا وتهيئة مهنية، ولعل هذا يقود إلى الأمر الثاني في سبيل إيجاد حلول بعد تقليص القبول ألا وهو إعادة تهيئة البرامج الأكاديمية في الأقسام النظرية بما يحقق الشرط العلمي من جهة ورفد سوق العمل من جهة أخرى، وفق استراتيجية بعيدة المدى لا تتقيد بالراهن وحسب بل تفتح أفقا استشرافيا للمستقبل.
تغذية متطلبات سوق العمل
ويرى المهندس راشد الشريف أن الجامعات و الكليات هي منارات جامعة للعلوم و الفنون بشتى أنواعها، ولكن بطبيعة الحال لا بُد من تدارك فائض المخرجات الذي قد يؤدي لنسب بطالة مرتفعة، لذلك، اختلاف خصائص مدن ومناطق المملكة يشكّل فرصة قابلة للاستغلال من خلال التركيز على التخصصات التي تنتفع من خصائص هذه المدن والمناطق وتعزز اقتصادها، إضافةً إلى أن توفير التخصصات الأساسية بالطاقة الاستيعابية المناسبة بدلاً من الإغلاق التام أمر يستحق توجيه النّظر إليه، بذلك، تزدهر المنطقة اقتصادياً وتُغلق الفجوة بين سوق العمل ومخرجات التعليم، مع التنبيه إلى أن دور الجامعات والكليات لا ينحصر فقط في تغذية متطلبات سوق العمل، بل أيضًا بنشر المعرفة النافعة والفنون والمهارات المساعدة على تقدم المجتمعات. لذلك، التوزيع الجغرافي عامل مهم عند تقليص هذه التخصصات بحيث تكون موزعة ومتوفرة بشكل يجعل وصول المهتمين بدراستها من جميع مناطق المملكة أمراً ممكناً.