عبد الله سليمان الطليان
هذه الكلمة لها معان ومواقف مختلفة في الوقع والتأثير، وهي متأصلة في داخل كل نفس بشرية، فمن حيث المعنى هي التهكم والاستهزاء والتحقير والهجاء بكلمات لاذعة، والمواقف كثيرة، ومنها ما هو فردي وكذلك جماعي، على الصعيد الفردي من قبيل السخرية من قبل شخص لآخر في هيئته أو حالته الفكرية أو حالته المادية ومستوى معيشته التي تكون مثار عادةً للحديث في المجالس والمناسبات، والسخرية من الناحية الجماعية هي المتعلقة بين شعوب وجماعات مختلفة في الصفات وكذلك العادات والتقاليد ومستوى الثقافة.
لقد نزل في القرآن الكريم آيات تتحدث عن السخرية منها قوله تعالى في سورة الحجرات الآية 11 {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَومٌ مِّن قَوْمٍ عَسَى أَن يَكُونُوا خَيْرًا مِّنْهُمْ وَلَا نِسَاء مِّن نِّسَاء عَسَى أَن يَكُنَّ خَيْرًا مِّنْهُنَّ وَلَا تَلْمِزُوا أَنفُسَكُمْ وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ بِئْسَ الاِسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ وَمَن لَّمْ يَتُبْ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ}، هذه الآية لها تفسيرات مختلفة ولكن سوف نأخذ فقط تفسير القرطبي، حيث ذكر أن هناك اختلافاً في سبب نزولها، فقال ابن عباس: نزلت في ثابت بن قيس بن شماس كان في أذنه وقر، فإذا سبقوه إلى مجلس النبي - صلى الله عليه وسلم - أوسعوا له إذا أتى حتى يجلس إلى جنبه ليسمع ما يقول، فأقبل ذات يوم وقد فاتته من صلاة الفجر ركعة مع النبي - صلى الله عليه وسلم -، فلما انصرف النبي - صلى الله عليه وسلم - أخذ أصحابه مجالسهم منه، فربض كل رجل منهم بمجلسه، وعضوا فيه فلا يكاد يوسع أحد لأحد حتى يظل الرجل لا يجد مجلساً فيظل قائماً، فلما انصرف ثابت من الصلاة تخطى رقاب الناس ويقول: تفسحوا تفسحوا، ففسحوا له حتى انتهى إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - وبينه وبينه رجل فقال له: تفسح. فقال له الرجل: قد وجدت مجلساً فاجلس! فجلس ثابت من خلفه مغضباً، ثم قال: من هذا؟ قالوا فلان، فقال ثابت: ابن فلانة! يعيِّره بها، يعني أماً له في الجاهلية، فاستحيا الرجل، فنزلت. وقال الضحاك: نزلت في وفد (استهزءوا بفقراء الصحابة، مثل عمار وخباب وابن فهيرة وبلال وصهيب وسلمان وسالم مولى أبي حذيفة وغيرهم، لما رأوا من رثاثة حالهم، فنزلت في الذين آمنوا منهم. وقال مجاهد: هو سخرية الغني من الفقير. وقال ابن زيد: لا يسخر من ستر الله عليه ذنوبه ممن كشفه الله، فلعل إظهار ذنوبه في الدنيا خير له في الآخرة. وقيل: نزلت في عكرمة بن أبي جهل حين قدم المدينة مسلماً، وكان المسلمون إذا رأوه قالوا ابن فرعون هذه الأمة. فشكا ذلك إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فنزلت.
وبالجملة فينبغي ألا يجترئ أحد على الاستهزاء بمن يقتحمه بعينه إذا رآه رث الحال أو ذا عاهة في بدنه أو غير لبيق في محادثته، فلعله أخلص ضميراً وأنقى قلباً ممن هو على ضد صفته، فيظلم نفسه بتحقير من وقره الله، والاستهزاء بمن عظمه الله.
روي أن أبا ذر - رضي الله عنه - كان عند النبي - صلى الله عليه وسلم - فنازعه رجل فقال له أبو ذر: يا ابن اليهودية! فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: (ما ترى ها هنا أحمر وأسود ما أنت بأفضل منه) يعني بالتقوى، ونزلت: ولا تنابزوا بالألقاب وقال ابن عباس: التنابز بالألقاب أن يكون الرجل قد عمل السيئات ثم تاب، فنهى الله أن يعير بما سلف. يدل عليه ما روي أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: من عيَّر مؤمناً بذنب تاب منه كان حقاً على الله أن يبتليه به ويفضحه فيه في الدنيا والآخرة.
ويورد القرطبي أن هناك حالة استثنائية فيما ذكره البخاري -رحمه الله - في (كتاب الأدب) من الجامع الصحيح. في (باب ما يجوز من ذكر الناس نحو قولهم الطويل والقصير لا يراد به شين الرجل)، قال: وقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: (ما يقول ذو اليدين) قال أبو عبد الله بن خويز منداد: تضمنت الآية المنع من تلقيب الإنسان بما يكره، ويجوز تلقيبه بما يحب، ألا ترى أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لقب عمر بالفاروق، وأبا بكر بالصديق، وعثمان بذي النورين، وخزيمة بذي الشهادتين، وأبا هريرة بذي الشمالين وبذي اليدين، في أشباه ذلك . الزمخشري: روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم (من حق المؤمن على المؤمن أن يسميه بأحب أسمائه إليه). ولهذا كانت التكنية من السنة والأدب الحسن، قال عمر - رضي الله عنه -: أشيعوا الكنى فإنها منبهة. ولقد لقب أبو بكر بالعتيق والصديق، وعمر بالفاروق، وحمزة بأسد الله، وخالد بسيف الله. وقلّ من المشاهير في الجاهلية والإسلام من ليس له لقب. ولم تزل هذه الألقاب الحسنة في الأمم كلها - من العرب والعجم - تجري في مخاطباتهم ومكاتباتهم من غير نكير. قال الماوردي: فأما مستحب الألقاب ومستحسنها فلا يكره. وقد وصف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عدداً من أصحابه بأوصاف صارت لهم من أجل الألقاب.
مثل صيني يقول (السُّخْرِيَّة برق النميمة).