أ.د.عثمان بن صالح العامر
بعد أن انتهيت في مقال سابق إلى تعريف الثقافة السعودي وبينت من هو المثقف الوطني وما هي محددات هويته، وأبرز معالم شخصيته، أشير هنا إلى أن رؤية المملكة 2030 من خلال أبعادها ومعاييرها ومؤشراتها الإستراتيجية قادت المثقف والكاتب السعودي إلى أن يطور في منهجية تفكيره، ويعيد ترتيب أولوياته واهتماماته، ويعمق مفاهيم أطروحاته، ويكون واضحاً فيما يكتب ويقول، دقيقاً حين ينقل وينقد حتى يتسنى له أن يكون مؤهلاً لمسايرة العهد النهضوي الجديد، ومواكباً المرحلة التي تمر بها التنمية السعودية أياً كان المجال والمحور الذي يكتب فيه ويحظى باهتمامه وإلا سيكون عمّا قريب جزءًا من التاريخ.
هذا الأمر العزيز يوجب على الطبقة المثقفة ذات المسؤولية المجتمعية أن تمتلك الرؤية الشمولية المتكاملة للتنمية السعودية المستدامة، وأن تكون لديها النظرة الواعية للفرص والتحديات (الخارجية)، ومكامن القوة ونقاط الضعف الحالية وكذا المستقبلية (الداخلية) التي يتجاوز فيها مثقفنا السعودي حدود الزمن الحاضر لاستشراف قادم الأيام، وأن يتعالى كل فرد من هذه الطبقة على حظوظ النفس ورغباتها الذاتية لينخرط ضمن فرق العمل الوطنية من أجل غد أجمل لهذا الوطن المعطاء.
إن المثقف السعودي اليوم مطالب بأن يؤدي رسالته بكل احترافية واقتدار، فالكل آذان صاغية لما عساه أن يقول ويكتب ويغرد وينشر، ليس من باب الحب لهذا الوطن والحرص على مد جسور التواصل مع مفكريه وقادة الرأي فيه فحسب، بل ربما كان العكس تماماً، فالدافع للإصغاء والمتابعة والرصد والمطالعة قد يكون التشفي وربما البحث عن السقطات والزلات التي قد تتعارض بشكل أو بآخر مع سياسة قادتنا وولاة أمرنا، وتثير البلبلة لدى العامة، وتضع المسؤول أياً كان وزيراً أو مديراً أو متحدثاً رسمياً في حرج مع وسائل الإعلام الخارجية.
إن هذه الطبقة التي تنعت بالمثقفة هي اليوم موضوعة تحت مجهر أعداء الوطن أفراداً كانوا أو جماعات وأحزاباً فضلاً عن الدول التي لا تخفى، ولذلك فإن الكلمة وإن كانت ثقيلة فيما مضى فهي في هذه المرحلة التي نمر بها أثقل وزناً وأعظم أثراً وأشد محاسبة ومسؤولية، فحذارِ أن يؤتى الوطن من قبلك أيها المثقف سواء بمقالة سطرتها أو تغريدة كتبتها أو صورة علقت عليها أو نقد أطلقته مشافهة في جلسة عامة كانت أو خاصة.
إن من النعم التي يتمتع بها المثقف السعودي اليوم الدعم المادي والمعنوي من لدن مقام القيادة الحكيمة ممثلة بمولاي خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز -رعاه الله- الذي يعلي من شأن الثقافة، ويحتفي بالمثقفين، ويتابع الحركة الفكرية في المملكة العربية السعودية منذ نعومة أظفاره وحتى تاريخه -أطال الله في عمره-، وهذا الأمر في حد ذاته يعد تشريفاً وتكريماً لكل المثقفين السعوديين، مثله في ذلك سيدي صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبد العزيز ولي العهد الأمين رئيس مجلس الوزراء - حفظه الله-، الذي أعلن في غضون الأسابيع القليلة الماضية عن إطلاق صندوق الفعاليات الاستثماري برئاسة سموه -وفقه الله-، وذلك بهدف تطوير بنية تحتية مستدامة لدعم أربعة قطاعات واعدة، أولها وعلى رأسها الثقافة، فالسياحة، والترفيه، والرياضة، وبناء شراكات إستراتيجية لتعظيم الأثر في القطاعات المستهدفة، وزيادة فرص جذب الاستثمارات الخارجية، والمساهمة في تحقيق أهداف رؤية المملكة 2030 ببناء اقتصاد مزدهر ومجتمع حيوي. وهذا الدعم من لدن ولي العهد يلقي بظلال المسؤولية الوطنية الفردية والجماعية على جميع المثقفين، ويحتم الوعي بمتطلبات المرحلة حتى تكون الحروف والكلمات لها شرف المشاركة في تحقيق رؤية 2030 واقعاً معيشاً في جميع مفاصل حياتنا المعاصرة التي تحدث عنها - بكل شفافية ووضوح - مهندسها ومبدعها ومخططها وباني لبناتها ومتابع خطواتها وداعم مسيرتها صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبد العزيز ولي العهد الأمين -حفظه الله ورعاه. ودمت عزيزاً يا وطني، وإلى لقاء والسلام.