مها محمد الشريف
في ظل أجواء التصعيد بين إيران وإسرائيل انفجرت مؤخراً الأحداث وكثفت إسرائيل هجماتها على أهداف عسكرية في أصفهان ومنشآت سرية في الداخل الإيراني، فهناك أخبار نشرتها صحيفة «وول ستريت جورنال» نقلاً عن مسؤولين أمريكيين مطلعين، بأن إسرائيل كانت وراء هجوم المسيّرات على موقع دفاعي إيراني في مدينة أصفهان مؤخراً، وكانت الغارات بطائرات مسيّرة، لذلك نقول إن الأحداث لا تستطيع أن تصحح إحداها الأخرى، بل إنها تتشابه في النمط والتفكير والسلوك، والمسيّرات التي نفذت بها إيران عدوانها على المملكة ضُربت بذات الإستراتيجية والتكتيك الذي استخدمته.
الأمر الآخر يقود إلى وجود دليل قاطع ما انفك يكشف عن نفسه، فقد انتقلت إيران من الخوف إلى القلق وخاصة بعد مذكرات وتفاصيل كشفها مايك بومبيو وزير الخارجية الأمريكي السابق في مذكراته، منها قرار قتل سليماني «حان الوقت للضغط على الزناد»، ليكون الخيار العسكري مع إيران مطروحاً إذا فشل المسار الدبلوماسي.
إن عالم اليوم المضطرب يحاول معالجة قلقه وخوفه ويبحث عن بؤرة الضوء، وترويض عدوانية إيران وإرغامها على العيش بهدوء مع محيطها الجغرافي، وخاصة بعد تبادل الاتهامات بين إيران وإسرائيل ارتفعت وتيرة هذه التهديدات ففقدت البوصلة، وخاصة بعدما ذبلت كل الرؤى المستقبلية لنظام طهران وفُرضت عليه عقوبات جديدة على 37 مسؤولاً وكياناً إيرانياً على خلفية القمع الذي يمارسه النظام بحق الإيرانيين ومشاركته في الحرب الروسية ضد أوكرانيا، فما الرسائل التي تريد إسرائيل إيصالها من هجوم أصفهان في إيران؟
قد تبدو إيران وكأنها خسرت امتيازات كثيرة حصلت عليها سابقاً بعد اتهام كييف وحلفائها الغربيين بتزويد روسيا بطائرات مسيّرة لحربها في أوكرانيا، الأمر الذي نفته طهران بشكل قاطع.
لطالما كان الاتحاد الأوروبي وإيران يدرسان السبل الكفيلة بإضفاء صيغة رسمية على علاقاتهما وتحسينها في العام 1998، فاعتمد المجلس الأوروبي في عام 2001 عقد مفاوضات من أجل إبرام اتفاق عام في مجالي التجارة والتعاون، واتفاق بشأن الحوار السياسي، وأدت المعلومات التي تم الكشف عنها بخصوص أنشطة إيران النووية السرية، ورفض إيران التعاون التام مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية، إلى وقف هذه العملية في عام 2005 نوعاً ما، لكن يبدو أن الضغط توقف مع استمرار العلاقات وغض الطرف عمَّا تقوم به طهران من تخصيب لليورانيوم ونشر الفوضى والإرهاب في المنطقة وفي الداخل الإيراني.
إذن، كان هناك كومة من الرسائل الأوروبية لم يُرد عليها، وجزء كبير منها بصندوق البريد الإلكتروني غير المقروء، ولكن علينا أن نضع في الحسبان أن حدث طارئ أكثر إلحاحاً قلب موازين الغرب، فعندما تنظر اليوم إلى عقوبات الاتحاد الأوروبي وحكومة المملكة المتحدة في البيانات التي أضافتها لأربعة وعشرين مسؤولاً إيرانيًا إلى قائمة عقوباتها مع شركاء دوليين، استمر السجال حتى تم إصدار ردود فعل متباينة ومتناقضة بشأن وضع حقوق الإنسان في إيران منذ العام 2015 في قائمة العقوبات، وخصوصاً بعد تنفيذ عقوبة الإعدام ضد عدد كبير من الأشخاص في إيران، وبقي الحال على ما هو عليه إلى أن اكتشفوا المسيّرات الإيرانية التي ضُربت بها أوكرانيا.
لأن هذا هو الجانب الصعب بالنسبة للعالم، ولن يفعل شيئاً سوى مراكمة الخلاف والاستعداد لحروب أكبر حجماُ وأكثر ضرورة، فبدت لهم الحياة الآن تعديات مسلحة، وتقتضي إيقافها بكافة الوسائل، وهذا يعني تكثيف سياسة الهيمنة التي تمارس بشكل علني وتسير نحو أهدافها بكل قوة.