«الجزيرة» - الرياض:
ينتظر الليلة، عشاق الفن «ليلة صوت الأرض»، وهي ليلة تكريمية للفنان الراحل طلال مداح، بعد رحيله بأكثر من 22 عاما سبقتها رحلة فنية خالدة، لازالت تستوطن المشاعر والأحاسيس؛ لما احتوته من قصص لا تُنسى، وأعمال خلدتها الذاكرة والأيام اشترك فيها الراحل مع عدد من نجوم الفن السعودي والخليجي والعربي.
وفي «ليلة صوت الأرض» تعود أعمال طلال مداح إلى جمهوره بأصوات مجموعة كبيرة من الفنانين العرب الذين اختاروا المشاركة في ليلته التكريمية وفاءً له، واستجابة لنداء رئيس مجلس إدارة الهيئة العامة للترفيه معالي المستشار تركي بن عبدالمحسن آل الشيخ، حيث ينتظر حضور تلك الكوكبة الفنية لتكريم طلال على مسرح محمد عبده أرينا في بوليفارد رياض سيتي في العاصمة الرياض.
ألقاب وأوصاف
ولأن تعدد الأسماء يأتي تبعا لمكانة المسمى اكتسب طلال مداح خلال مسيرته الفنية الكبيرة عددا من الألقاب التي تدل على مكانته في الساحة الفنية السعودية والخليجية والعربية، إذ يلقب «صوت الأرض»، وقيثارة الشرق، والحنجرة الذهبية، وفارس الأغنية السعودية، إضافة إلى لقب «زرياب» الذي أطلقه عليه موسيقار الأجيال الفنان محمد عبدالوهاب.
رفقاء درب
ويشارك في تكريم طلال مداح «ليلة صوت الأرض» فنان العرب محمد عبده، وعبادي الجوهر اللذان يعدان أبرز رفقائه الذين لازموه منذ البدايات، وتغنوا بعدد من أعماله في المناسبات والجلسات الغنائية؛ لتسجل تلك الليلة بصمة جديدة في مسيرتهم النجومية وتكريمهم لصديقهم في المناسبات الفنية.
أيقونة الوطن
في «ليلة صوت الأرض» تعود الذكرى لواحدة من أكثر الأغاني الوطنية شهرة على مستوى المملكة، حيث تمثل أغنية «وطني الحبيب» صدى في ذاكرة المناسبات الوطنية منذ أكثر من 50 عاما، إذ لايزال لحنها الذي سجل في استديوهات إذاعة جدة بقيادة الفنان الراحل «محمد أمين يحيى، يتردد في أسماع كل عاشق للفن، لا سيما وأنها مرتبطة بأسماء موسيقية شابة أصبحت فيما بعد من رموز الأغنية السعودية، وأبرز تلك الأسماء أعضاء فرقة «النجوم» الموسيقية، الملحن سامي إحسان، والملحن محمد شفيق، وسراج عمر.
ونجحت أغنية «وطني الحبيب» في تنصيب نفسها أيقونة للفرح والحنين، حيث حظيت بمكانها في الوجدان عشقا وحبا، وأصبحت ذات قيمة فنية عالية؛ لتألقها لحنا وإحساسا، وعذوبتها بصوت طلال الذي ترك للسعوديين عملا وجدانيا مؤثرا يرددونه كل حين.
وفي أول مساءات فبراير، ينتظر أن تعود «وطني الحبيب» التي تمثل واحدة من أبرز المعزوفات السعودية المعبرة عن حب الوطن والتعلق به، حيث تعد خيارا ثابتا ضمن الأغنيات الوطنية التي يملأ صداها أرجاء مواقع المناسبات الفنية والأعمال ذات العلاقة بطلال مداح، فضلا عن الذكريات الوطنية التي يمثل فبراير موعدا لإحداها في يومه الثاني والعشرين الذي يوافق يوم التأسيس.
سينما وتلفزيون
وأدى طلال مداح خلال مسيرته الباذخة أكثر من «1500» أغنية، قدم فيها عددا من اللهجات العربية، بُغية نشر الأعمال الفنية السعودية خلال فترة الستينات والسبعينات، إذ كان يحاول أن يظهر أغانيه في كل مكان، حتى عبر السينما، ففي عام «1965» عرض فيلم «شارع الضباب» من بطولته مع الفنانة اللبنانية صباح، والممثل رشيد علامة، وساعد ذلك الفيلم في انتشاره عربيا أسوة بغيره من الذين اتخذوا السينما مرحلة تسويق، وكرر التجربة في التلفزيون عام «1971» عندما شارك في مسلسل «الأصيل» مع لطفي زيني وحسن دردير، وأسهم ذلك العمل في خروج رائعة «سويعات الأصيل» التي توالت بعدها مجموعة من الأغاني مثل: «في سلم الطائرة» و»عيني علينا» وغيرهما.
أسطوانات موسيقية
ويعتبر طلال مداح أول فنان سعودي يسافر للخارج بهدف تسجيل أعماله الأصلية، وأول من سجل أسطوانات موسيقية في تلك الفترة، كما يمثل عميد الفنانين السعوديين في إحياء الحفلات الطربية داخل المملكة وخارجها، حيث طرق بصوته الأبواب العربية، وعرّف بهوية الأغنية السعودية بنمطها الحديث في كل الأقطار الخليجية والعربية.
ويمثل طلال مداح واحدا من أبرز رواد الحداثة في الأغنية السعودية، وأحد أوائل الذين ساهموا في نشرها خارج المملكة، حيث غنى في العديد من المدن حول العالم مثل باريس ولندن، كما قدّم مئات الأعمال الموسيقية وعَمِلَ مع العديد من الملحّنين والشعراء والموسيقيين، وله فلسفة فنية استثنائية تشبع الإحساس الفني لدى جمهوره المنتشر داخل المملكة وخارجها.
تجارب عربية
كان تميز طلال مداح في لحنه وغنائه السر الأهم خلف حضوره البارز، وتجاربه التي خاضها مع مغنين عرب وسعوديين أبرزهم عبادي الجوهر، وعبدالكريم عبدالقادر، وعتاب، وفايزة أحمد، وسميرة توفيق، وذكرى، وسميرة سعيد، ونجاح سلام، وغيرهم، إضافة إلى الأعمال التي جمعته بموسيقار الأجيال محمد عبدالوهاب، وبليغ حمدي، ومحمد الموجي.
وتحضر حقبة السبعينات في تاريخ صوت الأرض كواحدة من أكثر الفترات التي رسم فيها أعمالا ثنائية مميزة، حيث اشترك فيها مع نجوم اللحن والفن والشعر، مما ساعد في وصول صوته لأشهر المسارح العربية، أسوة بنجوم الغناء العربي من أمثال عبد الحليم حافظ، وأم كلثوم، وفريد الأطرش؛ لتحظى أعماله بشهرة كبيرة، ويصل بصوته والأغنية السعودية لأنحاء الوطن العربي.
دعم المواهب
وبتاريخه الغني في إبراز أصوات ونجوم عرب، أسهم الراحل طلال مداح في نقل عدد من الأسماء الفنية الصاعدة إلى المسارح والمنصات الغنائية الكبرى، وتضم تلك القائمة مجموعة من الفنانين والملحنين والموزعين الموسيقيين.
وأسهم طلال في مسيرته الفذة بدعم أصوات عربية، مثل سميرة سعيد في عدد من الأغاني منها «مشوار»، و»صدق الوفاء»، إضافة إلى الفنانة ذكرى في مجموعة أعمال من ضمنها «ابتعد عني»، و»اعتذر لك»، كما هو الحال مع الأصوات الشابة في مرحلة الثمانينات، مثل عبد المجيد عبد الله الذي لحن له مجموعة من الأعمال منها «وادعتني»، و»عندك خبر»، وراشد الماجد في أعمال أخرى منها «عفناك»، و»يومين».
أصوات نسائية
كان طلال مداح أول من قاد لاكتشاف الأصوات النسائية داخل المملكة، حيث كانت الفنانة ابتسام لطفي ضمن الأصوات التي قدمها للساحة الفنية، قبل أن تصبح أيقونة فنية عبر الإذاعة السعودية، كما تعد الفنانة الراحلة عتاب أيضا إحدى اكتشافاته الفنية، إذ قدم لها أعمالا وتسجيلات عديدة داخل المملكة وخارجها، وبالرغم من تواضع إمكانات التسجيل في فترة الستينيات إلا أن طلال تمكن من تأسيس أعمال خالدة، ودعم مجموعة من المواهب التي أصبحت رقما ثابتا في تاريخ الأغنية السعودية، كما شارك في تطوير الأغنية السعودية الحديثة المعاصرة، عبر إدراجه لنمط الكوبليهات بمقاماتها الموسيقية المتنوعة.
تعاونات موسيقية
سجلت الرحلة الفنية المميزة لطلال مداح تعاونه مع عدد من أرباب الفن والموسيقى، أشهرهم الموسيقار محمد عبدالوهاب في أغنية «ماذا أقول»، إضافة إلى «منك يا هاجر دائي» الذي لم يطرح رسميا حتى وفاته، وكان قد سُجل بآلة العود في أواخر الثمانينيات الميلادية.
وتعاون طلال مع الملحن محمد الموجي في أغنيتين هما «لي طلب»، و»ضايع في المحبة»، كما تعاون مع بليغ حمدي في أغنية «يا قمرنا» ومع الملحن إبراهيم رأفت في أغنيتي «غلاب يا هوى» و»عز اغترابي»، إضافة إلى تعاونه مع الملحن جمال سلامة في أغنية «يا حبيب العمر» والتي لم تطرح رسميا إلا بعد وفاته.
توافد مبكر
ولأهمية «ليلة صوت الأرض» بدأ الفنانون المشاركون فيها بالتوافد مبكرا على العاصمة الرياض؛ للتهيؤ والاستعداد للحفلة التي تستضيف واحدة من أكبر التجمعات الفنية العربية لتكريم الراحل طلال مداح، بعد مضي أكثر من عقدين على توديعه الجماهير الفنية داخل المملكة وخارجها.