د. تنيضب الفايدي
تقع عيون الجواء في شمال غرب القصيم، وسكنتها قبل الإسلام قبيلتا أسد وعبس، شهدت عيون الجواء عدة معارك في حرب داحس والغبراء التي دارت بين عبس وذبيان، وارتبطت عيون الجواء بعنترة وحبّه لابنة عمّه عبلة. وجاء ذكر عيون الجواء في شعر عنترة بن شداد العبسي:
يا دار عبلة بالجواء تكلمي
وعمي صباحاً دار عبلة واسلمي
فوقفت فيها ناقتي وكأنها
فدن لأقضي حاجة المتلوم
وتحل عليه بالجواء وأهلنا
بالحزن فالصمان فالمثلم
إن عيون الجوى وجبل قطن وجبل خزازى، هذه المواقع وغيرها سواء في القصيم أو في أيّ موقع من الوطن الحبيب تذكر بالحبّ حيث إن شعر الحبّ أو شعر الغزل ارتبط بالديار، والمنازل، والمواقع، والوطن، ورقة شعر الغزل تستميل القلوب، وتفجر المشاعر والأحاسيس، وتعمل على تثبيت حبّ الوطن أو (مكان الحبيب). قال الشاعر:
إذا وجدت أوار الحبّ في كبدي
عمدت نحو سقاء القوم أبتردُ
هبني بردت ببرد الماء ظاهره
فمن لحرٍّ على الأحشاء يتقدُ
ذكرت البيتين السابقين؛ لأن عيون الجواء تذكر بكلّ شواهد الحبّ، ولا غرابة في الكتابة عن الحبّ بمعناه الشامل، وأن يشاع كلّ ما يؤدي إلى حبّ الوطن بين الناس، علماً بأن الكتابة في الحبّ بمعناها الواسع لا غرابة فيه ولا حرج فقائل البيتين السابقين يعد أحد الفقهاء، بل أحد رواة الحديث، وهو: أبو عامر عروة بن أذينة الليثي الكناني، تابعي جليل وشاعر غزل وفخر وشريف مقدم من شعراء المدينة المنورة وهو معدود في الفقهاء والمحدثين وأحد ثقات أصحاب حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، سمع من ابن عمر وروى عنه مالك بن أنس في الموطأ وعبيد الله بن عمر العدوي، فقد روى عن أنس بن مالك رضي الله عنه، وروى عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما، كما لاتستغرب أيها القارئ العزيز من ذلك المحبّ الذي سبب له الحبّ السهد والأرق والسهر، فخاف أن يقتله فأخذ يستصرخ بالنائمين ويوقظهم لعله يحصل على جواب عن سؤاله:
ألا أيها النوامُ ويحكم هبُّوا
أسائلكم هل يقتل الرجّلَ الحبُّ؟
وقد أظهر عنترة بن شداد الحبّ أثناء صلصلة السيوف والحقيقة أن إظهار الحبّ في هذا الموقع أي: أثناء المعركة يعتبر حباً مخيفاً ولكنه حبٌّ حقيقي لـ(عبلة):
طَوْرَاً يُجَرَّدُ لِلطِّعَانِ وَتَارَةً
يَأْوِي إلى حَصِدِ القِسِيِّ عَرَمْرِمِ
يُخْبِرْكِ مَنْ شَهِدَ الوَقِيعَةَ أَنَّنِي
أَغْشَى الوَغَى وَأَعِفُّ عِنْدَ المَغْنَمِ
وَلَقَدْ ذَكَرْتُكِ وَالرِّمَاحُ نَوَاهِلٌ
مِنِّي وَبِيضُ الْهِنْدِ تَقْطُرُ مِنْ دَمِي
فَوَدِدْتُ تَقْبِيلَ السُّيُوفِ لأَنَّهَا
لَمَعَتْ كَبَارِقِ ثَغْرِكِ الْمُتَبَسِّمِ
وَمُدَّجِجٍ كَرِهَ الكُمَاةُ نِزَالَهُ
لا مُمْعِنٍ هَرَبَاً وَلاَ مُسْتَسْلِمِ
جَادَتْ لَهُ كَفِّي بِعَاجِلِ طَعْنَةٍ
بِمُثَقَّفٍ صَدْقِ الكُعُوبِ مُقَوَّمِ
ويوجد في عيون الجواء وما حولها عدد من المواقع الأثرية والمعالم التاريخية.. يأتي في مقدمتها الرسوم الصخرية في جبل أثال، وجبلي الحنادر وهي عبارة عن صور لحيوانات وطيور مثل الزرافات والوعول والأبقار والخيول، ومناظر صيد ومعارك يبدو فيها محاربون وأسلحة مثل القوس والرمح، وتتشابه الرسوم الصخرية في عيون الجواء مع مثيلاتها في جبل ياطب بحائل، والصويدرة (الطرف) بالمدينة المنورة، وإلى جانب الرسوم الصخرية هناك الكثير من النقوش الكتابية والمخربشات بخط البادية (الثمودي). ومن آثار عيون الجواء أيضاً الآبار القديمة التي تتقارب وترتبط مع بعضها عن طريق خنادق وسراديب. ومن أمثلتها بئر الهلالية في القوارة وآبار ضارج (ضاري) ومن العيون القديمة في عيون الجواء عين عبس، وعين الثومة، ومن الآثار الأخرى قلعة العنتريات في قصيباء .. وهي تنسب إلى عنترة بن شداد، والقلعة عبارة عن بقايا قصر مستطيل الشكل له أبراج وشيد القصر من الأحجار، أما قصر الحويطي فيقع في القرعاء وشيد من الحجارة واللبن ( الطين ) المخلوط بالتبن، وتوجد في عيون الجواء أبراج عدة كانت تستخدم للمراقبة والدفاع عن المنطقة ضد أي عدوان.
إلى من أعتزّ بهم، إلى أهل القصيم ( أهيل الغضا):
يا أهيل الحي من وادي الغضا
وبقلبي مسكن أنتم به
ضاق عن وجدي بكم رحب الفضا
لا أبالي شرقه من غربه