جانبي فروقة
تمثّل قصة النمو المستدام الجديد المدفوع بالتكنولوجيا أعظم فرصة استثمارية منذ الثورة الصناعية. ولضمان قصة نمو مستدامة لا بد من تأمين رأس المال البشرى والمادي والطبيعي والاجتماعي وستكون هناك حاجة أكبر في استثمار رأس المال المادي للبنية التحتية الجديدة منخفضة الكربون في الطاقة والنقل والمدن الأنظف والأكثر كفاءة وأشكال جديدة من الخدمات والسلع ويقدر الاستثمار العالمي المطلوب لأنظمة الطاقة الواسعة والتحول الرقمي ما بين 5 إلى 7 تريليونات دولار سنوياً بحلول عام 2030 وهذه زيادة كبيرة عن الاستثمارات السنوية الحالية التي تبلغ حوالي 1.5 إلى 2 تريليوني دولار. إن النمو المتسارع لمصادر الطاقة المتجددة في الأسواق الناشئة مع الاقتصادات النامية سيؤدي إلى تغيير الجغرافيا الصناعية وأنماط التجارة في العالم مما سيجعل سلاسل التوريد أكثر تنوعا ويراهن الجميع على أن هذه الاستثمارات ستعطي زخما لانتعاش قوي ودائم من الأزمات الحالية ويعوض عقدا ضائعا من التنمية. وحسب مؤتمر دافوس الأخير فإن تطوير أجندة دولية مشتركة وإستراتيجية بما ذلك الأهداف والتمويل والتجارة ستعزز الثقة اللازمة للاستثمار في التكنولوجيا وخاصة الذكاء الاصطناعي.
حددت السلطات التشريعية الأمريكية مؤخراً فاتورة الحقوق في أنظمة الذكاء الاصطناعي، حيث تسعى لحماية الناس في هذه العهد الرقمي وتحوي هذه الوثيقة بنودا عدة منها: يجب أن تحمي الناس من الأنظمة غير الفعَّالة والمضرة كما يجب أن يتم تجربة الأنظمة أولا لدراسة مخاطرها وإثبات أنها غير ضارة بالإنسان وعدم الاستخدام غير المسؤول والخاطئ لها ويجب أن لا يتعرض الإنسان في الخوارزميات المستعملة لأي نوع من التمييز (العرقي أو الجنسي أو حسب الإعاقة وغيرها) وكما يجب أن لا تستخدم بيانات أي شخص بشكل مسيء له حيث يجب أن تؤمن هذه الأنظمة الحماية الشخصية للبيانات الفردية وتعطيك حق التحكم الكامل ببياناتك الشخصية ويجب أن تشرح هذه الأنظمة المؤتمتة كيفية استخدام بيانات الشخص والهدف من استخدامها بشكل ولغة واضحة وكيف ستؤثر عليك وكما يحق لك أن تطلب في أي وقت سحب بياناتك ومعلوماتك والوصول لأي شخص يمكنه مساعدتك في حل أي مشكلة متعلقة بهذا الموضوع، حيث يمكنك الوصول لشخص بشري لمناقشة أي موضوع متعلق بالعدالة أو الجريمة أو الصحة.
و لكن ما زالت هناك فجوة رقمية هائلة بين البلدان حيث يفتقر 2.9 مليار شخص إلى فرص الاتصال بالإنترنت وبالتالي صعوبة الحصول على أدوات المعرفة للمساهمة بشكل فعال في الاقتصاد الرقمي وهذا سيؤدي لتفاقم دورة الحرمان من الحقوق لذلك تعد مواجهة الفجوة الرقمية العالمية ضرورة ملحة وهذا ما تم مناقشته مؤخرا في مؤتمر دافوس الاقتصادي لأن رحلة الذكاء الاصطناعي بدأت للعديد من الجوانب الأساسية للحياة اليومية من خدمات مصرفية ورعاية صحية وتعليم والاتصالات والهوية وغيرها التي تعتمد على الوصول إلى الأدوات والتقنيات الرقمية. وتنفق اليوم الشركات الكبرى والجامعات المليارات على الذكاء الاصطناعي الذي سيثمر يوما ما كما قال أندرو نج (قائد فريق غوغل برين السابق «تمر الكثير من الصناعات بهذا النمط من الشتاء والشتاء ثم الربيع الأبدى ولم نعد بعيدين عن الربيع الأبدي للذكاء الاصطناعي».
وعلى نطاق أوسع بكثير، من المتوقع أن يكون للذكاء الاصطناعي تأثير كبير على الاستدامة وتغير المناخ والقضايا البيئية. فعلى سبيل المثال ومن خلال استخدام أجهزة الاستشعار المتطورة، ستصبح المدن أقل ازدحامًا وأقل تلوثًا وأكثر ملاءمة للعيش بشكل عام.
يرزح اقتصاد العالم في 2023 تحت مديونية وصلت إلى 88 تريليون دولار ودين أكبر اقتصاد في العالم وهو الأمريكي وصل إلى حد سقف الدين العام البالغ 31.4 تريليون دولار ويدرس الكونغرس مرة أخرى رفع سقف الدين العام الذي تم رفعه 45 مرة خلال 40 سنة وثالث اقتصاد في العالم (الياباني) وصل إلى سقف الدين العام له والبالغ 8.47 تريليون دولار والتضخم في منطقة اليورو وصل في ديسمبر إلى 9.2 % رغم أن صانعو السياسية في البنك المركزي الأوروبي وحسب تعليق كريستين لاغارد (رئيسة البنك المركزي الأوربي) في مؤتمر دافوس يسعون إلى إعادة التضخم للهدف 2 %.
نشر المؤتمر الاقتصادي العالمي تقرير المخاطر العالمية عام 2023 والذي حدد 5 مخاطر أساسية سيواجها العالم خلال السنتين القادمتين، الأولى: أزمة تفاقم تكاليف المعيشة وهي من تداعيات الكوفيد 19 والحرب الروسية الأوكرانية والتضخم والذي يؤدي لعدم الاستقرار الاجتماعي والسياسي والخطر الثاني: الكوارث الطبيعية والأحداث المتطرفة للطقس والتي أحدثت خسائر بقيمة 171 مليار دولار في عام 2020 وأثرت على حياة 100 مليون شخص والخطر الثالث: التصادم الجيو-اقتصادي (جغرافي)، حيث إن التصادمات بين الاقتصادات والشعوب ستصبح أمراً شائعاً وهذا سيفاقم من ارتفاع الأسعار وستزيد هوة انعدام الثقة بين الدول والخطر الرابع: الفشل في تخفيف وطأة التغير المناخي فالموارد التي توظف في تخفيف نتيجة الكوارث الطبيعية تحد من الجهود المبذولة في مواجهة أزمة المناخ. والخطر الخامس هو الاستقطاب المجتمعي والذي لاحظناه في دول متقدمة مثل الولايات المتحدة الأمريكية بين الجمهوريين والديمقراطيين وتنامي هذا الخطر بات يهدد الكثير من الأنظمة السياسية والاضطرابات تؤدي للإحباط والنزوح الجماعي في بعض الدول نتيجة الكوارث المناخية والاقتصادية.
و يتوقع لمنطقة الشرق الأوسط مع شمال أفريقيا أن تكتسب حصة جيدة في أسواق الطاقة المتجددة كمنتجي طاقة منخفضة التكلفة وخالية من الانبعاثات ولتكون من أكثر المناطق تنافسية من حيث الاستثمارات في الهيدروجين الأخضر والأمونيا الخضراء والصلب الأخضر والألمنيوم منخفض الكربون وبعض الدول بدأت تأخذ دور الريادة في تطوير هذا المجال مثل المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة والبرازيل وتشيلي وناميبيا وكازاخستان. وتتنافس الاقتصادات الكبرى بالفعل لتأمين موقعها في جغرافية النمو المستقبلية فنرى الحوافز والتمويل للتكنولوجيا الخضراء مع التأطير القانوني والسياسي لهذه الاستثمارات متضمنة في خطة الصين الخمسية الرابعة عشرة المعنية بتخطيط نظام الطاقة الحديث والصفقة الخضراء للاتحاد الأوروبي وقانون الحد من التضخم الأمريكي (IRA) وميزانية الاتحاد الهندي.
إن الاقتصاد الرقمي هو القوة الدافعة والمحركة لتنمية اقتصاد أخضر.
** **
- كاتب مقيم في الولايات المتحدة الأمريكية