علي الخزيم
يُعبِّر كثيرون عن امتعاضهم من بعض ما يُعرض ويُدوَّن عبر وسائل التواصل الاجتماعي؛ ويزداد التململ عندما يَبرز أحدهم مشيراً إلى أنه يحمل مؤهلاً علمياً عالياً أو تخصصاً نادراً ثم يطرح موضوعاً أو تدويناً لا يمكن وصفه وتقييمه سوى أنه باهت قاصر عن الوصول لمستوى ما وصف به المتحدث نفسه، ومنهم من تُقدِّر - بحسب نبذته التعريفية - بأنه ذو صِيت علمي أو كرسي جامعي وإذا به يكتب كما سفهاء المقاهي الغوغائيون أمام شاشات المنافسات الرياضية؛ عبارات ممجوجة وكلمات نابية على سبيل التشجيع للفريق المُفضل؛ فتفضح ضحالة المغرد أو المتحدث عبر المقاطع المصورة، وإن العاقل ليخجل من جُرأة بعض هؤلاء على البروز عبر المواقع الإلكترونية دون وجَل ولا حياء من أنفسهم وذويهم وزملاء العمل, بالمقابل يُطربك الرزين بمقدمته التعريفية بحسابه أو موقعه؛ وبمادته المطروحة أو تغريداته التي لا تملك معها سوى التركيز والمتابعة الجادة إذ أنه لا يُمدُّك إلَّا بالمفيد لك حاضراً ومستقبلاً، وما ذاك إلَّا ثمرة لاجتهاده ومثابرته للبحث والتقصي عن المعلومة التي تُعزز أفكاره النيِّرة ومخزونه الفكري الغزير، ولأنه ينشد من كل هذا الفائدة للمتابعين وللمجتمع كافة، فشتَّان بين هذا وذاك.
قد يجوز لي تشبيه الأول من حيث الإنتاجِيَّة بالفراشة والثاني بالنحلة؛ فالفراشة جميلة بخلقتها؛ رشيقة وهي تَحُط على زهرة وتطير إلى أخرى، وإن قيل فيها أشعار جميلة وأقوال لطيفة إلَّا أنها مُصنَّفة كمتواضعة الفائدة، وأرى أن الفراشة كانت وما زالت أقصر مِن أن تقارن بالنَّحلة فهي لم تلتفت لنتائج جولاتها وطيرانها بين زهور الحقول بمنظر خَلَّاب ساحر الجمال, لكن ثم ماذا؟ ليس غير مَنظر أخَّاذ يتلاشى بمجرد تحرك الفراشة وانتقالها لتستعرض بمكان آخر؛ تُلفِت الانتباه وتجلب الأنظار التي لا تجني منها سوى التأمُّل لبرهة فتنصرف عنها دون أن تسجل فرقاً بالإنتاجية أو فائدة ملموسة تُدَّخر لأوقات تالية، إيجابية بسيطة بتحنيطها وحفظها على شكل لوحات مُكبرة للزينة، أو رسمها على المناديل وقطع من الأثاث الخفيف، ومع ذلك فإن تكبير صورة الفراشة قد يُفقدها رونقها وبهاءها فهي خُلقت بنسق يمنح الجمال والأناقة، وينبض بالرقة الهامسة، وحين تُخرجها عن طبيعتها تفقد ما لها من سحر جاذب, وكذلك النموذج الأول فإنه كلما نَفَخ بصورة ذاته وبالغ بالاستعراض السطحي فإنه يُقلل من قَدْره ويُحجِّم ذاته ويفضح فراغ أوعيته، ويؤكد علماء الحشرات أن الفراشة تتغذى على المُر وشيء من السموم كوسيلة للدفاع عن نفسها من أعدائها الطبيعيين، وبهذا فهي لا تقدم لنا سوى مظهر زائل.
في الوجهة الثانية تأمل الإعجاز الإلهي العظيم بالإيحاء للنحل (بالإلهام والهداية) كيف تسعى لرزقها وتفيد غيرها مما يفسره القرآن الكريم بسورة النحل، يقول متخصص: (ما تَبَيَّن علمياً من كون عسل النحل فيه شفاء وأنه متنوع وأن تنوعه متلازم مع أصناف الزهور التي يتناولها؛ كل ذلك يتطابق مع ما سبق من دلالة النص القرآني، وبملاحظة جهل الناس في عصر التنزيل بتلك الحقائق: فإن ذلك يُبرز وجهاً آخر من وجوه الإعجاز)، فلنتأمل إن كنَّا من النَّحل أو الفراش؟